م الآخر| أن يفوتني قطار الزواج بدلا من أن يدهسني
من يوم أن خلقها الله أنثى، والكل يتمنى لها أمنية واحدة.. عقبال فرحك.. يشترون لها فستانًا جديدًا.. عقبال فستان فرحك.. تنهي الشهادة الابتدائية والإعدادية والثانوية تتفوق وتتميز، وليس هناك غير: مبروك وعقبال فرحك، تتخرج من الجامعة وتحصل على الماجستير والدكتوراة: مبروك وعقبال فرحك، تأخذ جائزة الدولة في الفن التشكيلي: ألف مبروك وعقبال فرحك.
مهما وصلت ومهما حققت دائمًا هناك شئ ناقص، هو "فرحك".. وكأن حياة الأنثى ليس بها أفراح أخرى، وكأنها خلقت فقط لتتزوج.. ومن ثم يأتي شبح القطار ليطاردها، وتبدأ الفتاة تسمع بأنها يجب أن تتزوج وهي صغيرة، حتى لا يفوتها قطار الزواج، ذلك القطار المرعب (الذي إذا جاء في الوقت غير المناسب مع الشخص غير المناسب) دهس أحلام، طموحات، إنجازات، ومواهب الفتيات، واختزلها في جملة واحدة (امرأة متزوجة!).
ربما يجعل المجتمع القاسي الفتاة تقف على محطة القطارات، منتظرة ذلك القطار المزعوم واضعة كل أحلامها وطموحاتها ومواهبها وثقافتها في حقيبة، حتى إذا جاء القطار، أي قطار حتى لو لم يتفق مع وجهتها التي تريد، ركبت ونسيت الحقيبة، وتحولت لمجرد تابع مفلس الفكر مسلوب الإرادة، ليس لديها أي طموحات أو أحلام، وذلك فقط لأنها اختارت أن تتزوج.. تتزوج فقط بغض النظر عن من تتزوج.
وليس ذلك خطأها وحدها ولكنه خطأ مجتمع بأكمله، يتلخص في أفكار ومعتقدات كاذبة وهي:
1- السرعة في الحصول على لقب متزوجة (التشريفة): الفتاة لا بد أن تتزوج وهي صغيرة، وأن تحصل على لقب متزوجة حتى لا تحصل على لقب (عانس)، فإذا تجاوزت الثلاثين أصبحت تلك العانس المحكوم عليها بالإعدام رميًا بالرصاص، وليس لها أي ذنب في الدنيا غير أنها مازلت لم تتزوج.. هذا الاعتقاد العقيم الذي أخلف عدد لانهائي من الزيجات الفاشلة.. تتزوج الفتاة بأي شخص لديه إمكانات الزواج، حتى لا يمر بها العمر وتصبح عانسًا.. ودائما هي خائفة من الجملة الشهيرة (العمر بيجري)، وماذا استفادت التي تتزوجت وهي صغيرة وتعيش حزينة، وتشعر أنها أضاعت عمرها بجانب شخص لا يفهمها ولا يشعر بها.. أنا أرى أن تكوني عانسًا سعيدة بدلًا من أن تكوني متزوجة تعيسة.
2- الأمومة: هناك فتيات يتزوجن فقط رغبة منهن في تحقيق حلم الأمومة، ولكن أولًا: هل أنتِ راضية عن أب أولادك؟ هل تحبينه وتعشقينه حد الجنون؟ هل تحبين ابنك لأنه نسخة من أبيه ويشببه في طباعه وأسلوبه وملامحه؟.. كثيرات ممن تزوجن برجال ليسوا راضيين عنهم تمامًا، يكرهون أطفالهن لمجرد أنهم يشبهون آبائهم، وبدلًا من أن يكون لديك واحد فقط لا تتحمليه، سيكون لديك نسخ صغيرة منه أيضًا.
ثانيًا: كثيرات ممن تزوجن لمجرد الزواج، يرفضن أن يكون لهن أطفالًا ممن تزوجن وتظل المرأة تمنع الحمل، بهدف أنها لا تريد أن ترتبط بذلك الرجل مدى الحياة، وإنها يومًا ما ستفكر بالفرار، وقتها ستكون بمفردها وليس هناك من يلزمها بالبقاء مع ذلك الرجل .
ثالثًا: عندما تتزوج الفتاة رغبة في الإنجاب فقط، عندما تنجب تفقد الصلة كليًا بزوجها، فهو في عقلها الباطن أدى دوره الذي تزوجته من أجله، وليس له أية أهمية بعد ذلك، ومن هنا أقول لهذه الفتاة أنتِ لم تظلمي نفسك فقط، ولكنك ظلمتي ذلك الرجل الذي تزوجتيه أيضًا.
3- الزواج يحقق الآمان والاستقرار: (حيكون ليكي بيتك وممكلتك الخاصة)، تلك المقولة الشائعة بين الأمهات، ولكن الاستقرار لا يكون استقرارًا لمجرد وجود شقة يقال عنها بيتك أو ممكلتك، ولكنه في المقام الأول استقرارًا عاطفيًا وروحيًا، وشعور بأنك بجانب شخص تفهمينه ويفهمك ويقدر إمكاناتك ومواهبك، ويشاركك أفكارك وميولك، استقرار يحقق لك الإشباع العاطفي والعقلي على حد سواء، لا يوجد استقرار وأنتِ بداخلك صراع بينك وبين صفات وطباع ذلك الرجل الذي تزوجتيه، وتلومين نفسك كل يوم على الزواج به.
4- الهروب: أولًا.. فكرة الهروب متمثلة في الهروب من بيت الأهل، ومن تسلطهم وتحكمهم في الفتاة، فترضى البنت بأي شخص يدق بابها خاطبًا إياها لمجرد الهروب من سطوة الأهل، ولكن عزيزتي أنتِ مخطئة، فربما تذهبين ليد أكثر إحكامًا وتسلطًا عليكِ.. الشخص الذي سيعطيك حريتك، هو الشخص المناسب لك الذي يفهمك ويقدر طموحاتك ويثق بك، ويعطيك حرية مسؤولة يعلم جيدًا إنك سوف تستخدمينها في الارتقاء بنفسك وعقلك وتحققين بها طموحاتك، بل وسيساعدك أيضًا في الوصول إلى أهدافك.
ثانيًا: الهروب من المجتمع (كلام الناس)، إذا تقدمت الفتاة فى السن وتجاوزت الخامسة والعشرين يبدأ كلام الناس، وهم الجيران والأقارب وحتى أمها وإخواتها.. (شكلك كده حتقعدي مش حتتجوزي)، ولو جالها عريس ورفضته طبعاً كارثة (إنتي بتتأمري على إيه؟ شايفة نفسك مين؟ ما تتجوزي زي متجوزنا وخلصينا)، أو يقولون عنها (بايرة ومفيش حد راضي يبص في وشها)، فتفكر الفتاة في الهروب من نظرة المجتمع القاسية، بالزواج السريع من أول شخص يتقدم لخطبتها، وذلك ليس حلًا لأن هؤلاء عندما تتزوج، من يطعنونها كل يوم بالكلمات، وتبدأ المشاكل لن يفيدوها وسيقولون لها جملة واحدة (هذا اختيارك لا بد أن تتحمليه)، فلا تغزلي ثوب تعاستك بيديكِ.
5- الزواج هو السعادة: من يوم ما خلقنا نحن الفتيات، تقريبًا لا نسمع إلا دعوتين الأولى (عقبال فرحك)، والثانية (عقبال سعدك)، وبالطبع يقصدن بالسعد (الزواج)، فيرسخن في أذهان الفتيات أن الزواج لمجرد الزواج سببًا في الفرح والسرور، وهو بوابة العبور للسعادة الأبدية، ودخول حياة جديدة من الفسح والحب، وحالة السعادة التي سوف تأتيها من مجرد وجود زوج في حياتها، ولكن بعد أيام من بداية الزواج لا تجد إلا السراب وواقع الحياة والكفاح، وأنها من الواجب أن تصبر مع ذلك الرجل، لدفع عجلة زواجهم وحياتهم لتستمر الحياة.. الزواج لا يسبب الفرح والسعادة، ولا حتى الرجل هو الذي سيسعدك، ولكنك ستسعدين فقط لاختيارك ذلك الرجل زوجًا لك بكل عيوبه ومميزاته ومواصفاته، التي اختريتها بعناية متوافقة معك ومع تفكيرك وثقافتك، وسوف تتحملين من أجله أي صعوبة تواجهكما في الحياة، وتكوني مستعدة للتضحية بحياتك من أجل فقط أن يظل بجانبك ورفيق دربك.
6- الزواج سنة الحياة: (لازم تتجوزي دي سنة الحياة)، هذه الجملة تقريبًا كناية عن أمرين، أولهما: الإنجاب، وثانيهما: العلاقة الحميمة.. جميل جدًا أن نتزوج لأن الزواج الإطار الشرعي الذي يحمي الحب، ويمكن من خلاله ممارسة العلاقة الحميمة كاحتياج نفسي بحت، حسب تصنيف علماء السيكولوجي، ولكن يجب أن تعرف كل فتاة، أنها عندما ترتبط بالرجل غير المناسب سوف تتحول تلك العلاقة العاطفية والرومانسية السامية لمجرد عملية ديناميكية، ليس بها أية مشاعر، وتنفر المرأة منها بعد الزواج، مما يسبب المشاكل الدائمة.
ومن هنا أستطيع أن أقول لكِ أنه ليس هناك عمرًا مثاليًا للزواج، ولكن سأقول لكِ في الوقت المثالي لكِ أنتِ، سوف تتزوجين بالرجل الذي يستحق الارتباط بك وبناء حياة معك، الرجل الذي تحبينه أكثر من ذاتك وتشعرين أنه جزء منك، وتتمني لو تنجبي منه أطفالًا كُثر يشبهونه وتحبينهم، لأنهم أطفاله وتفتخري أمامهم بأنك اخترتي لهم أبًا جيدًا وحياة أسرية مستقرة، في ظل أب وأم متفاهمين، كل منهم يحب الآخر ويتقبله.. لا تتزوجي لتنجبي فقط وتشبعي رغبة الأمومة داخلك.. فيمكنك إفراغ أمومتك الغريزية بالذهاب إلى دور الأيتام وتفريغ تلك الطاقة مع من هم في أشد الحاجة لحنان الأم، وذلك إلى أن تقابلي نصفك الآخر وتنجبي.
أنتِ مخطئة لو اعتقدتي أن قدرتك على الاستمتاع بالحياة مرهونة بالزواج.. فأنتِ كيان كامل.. جسد، عقل، روح، مشاعر.. أنتِ مواهب كثيرة لماذا لا تستغليها؟، أنت أحلام حققيها، وأنت طموحات لا تغتاليها، تعلمي شيئًا تحبيه، ابحثي داخلك عما يفرحك وأفعليه، حققي كيانك وذاتك وامضي بحياتك، ولا ترهني سعادتك بالقطار، ولا تضيعي سنوات عمرك في الوقوف على محطته المظلمة.
فربما لو تعجلتي وركبتي أي قطار، ربما كان هو آخر محطة لأحلامك وكيانك.. اركضي كطفلة، وافرحي كثيرًا وأنتِ تحققين ذاتك، وتتركين بصمتك، وتحققين نجاحًا.. وتساعدين غيرك.. وتغيرين فيمن حولك للأفضل.. لا تخافي أبدًا.. لن يفوتك القطار، لأنه بكل بساطة ليس له موعد ثابت، لأن نصفك الآخر موجود في مكان ما ويبحث عنك هو الآخر، اصبري فهو سيعرف طريقه إليك، فالقطار هو الذي سيلحق بك، وليس العكس.
سيري في حياتك وكوني قوية ولا تستمعي لأقوال المحبطين من حولك، فربما يريدون أن يروا قصة فشل جديدة تكرر قصصهم، ليبرروا لأنفسهم أن ذلك هو الواقع.. حددي أهدافك وحددي ما تريدين في شريك حياتك حتى يسهل عليك الاختيار.. أصري على ما تريدين وستجدي من كان يلومك بالأمس يحسدك على ما أنت فيه اليوم، بل ويفتخر بك غدًا.. أنت ملك لقراراتك واختياراتك وأنت من يستطيع أن يحدد قدره.. فأقدارنا محددة باختياراتنا، فلتتعلمي أن تختاري قدرك.
وتخيلي دائما مستقبلك وحياتك السعيدة مع نصفك الآخر، واعلمى أن هناك فرق كبير بين أن تحصلي على حلمك، وأن تجدي توأم روحك، وأن ترضي (بأحسن واحد اتقدملك)، فرق كبير بين حياة رائعة بين نصفين اكتملا، وبين (عيشة والسلام) والواقع يشهد.
اصبري حتى لا تندمي، عندما تجدين نصفك الآخر، ولكن للأسف أنت متزوجة من رجل آخر، لا تتزوجي بأي رجل حتى لا تظلمي نفسك وتظلميه، فمن حقه هو أيضًا أن يجد امرأة تحبه وتجده مثاليًا.
ولا تخافي من فكرة العنوسة، فهناك فتيات كثيرات ذبلن في مزهرية الزواج، هناك فتاة تتزوج وتنجب وتظل في أعماقها عانسًا، تزوجي ممن يرضاه عقلك وقلبك وتفكيرك، تزوجي وخذي الحقيبة معك، واجعلي يوم زفافك هو محطة تكملين منها حياتك القادمة، ولا تجعليه محطة النهاية لكيانك.
وفي الختام.. عزيزتي الأنثي، إنتِ عالم بأسره ادخلي عوالم أحلامك، محملة بالأمل والطموح، والنجاح والإرادة والصبر.. ارتقي بنفسك وثقافتك وعقلك، ولا تنتظري أن يحقق أحلامك رجل، ولا تجعلي حلمك رجل، ولكن كوني أنتِ حلم كل رجل .