منى برنس بمقال لـ"هآرتس" الإسرائيلية: "ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا"
منى البرنس
كتبت الأستاذة السابقة بجامعة السويس منى برنس، مقالاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أمس، قالت فيه إن الهدف منه هو توضيح الأسباب التي دفعتها إلى لقاء السفير الإسرائيلي في القاهرة ديفيد جوفرين أواخر ديسمبر الماضي، الأمر الذي أثار ضجة في الأوساط المصرية.
وتحت عنوان: "لماذا قررت أنا -الامرأة المصرية والكاتبة- لقاء السفير الإسرائيلي"، نشرت صحيفة "هآرتس" مقال "برنس" الذي قالت فيه: "كنت أعرف أنني سأدفع ثمن قراري لقاء العدو، لكن سنوات الكراهية التي عشتها تركتني متعبة، وأنا حالياً أهتم بالمستقبل أكثر، مثل كل المصريين، نشأت على كراهية إسرائيل والإسرائيليين، حيث يعلم المصريين أبنائهم في المدارس أن إسرائيل دولة محتلة ومغتصبة واستعمارية تقتل الفلسطينيين وتصادر أراضيهم، ولسنوات عديدة، خلال نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت عناوين الصحف المصرية مخصصة بشكل منتظم للحديث عن القضية الفلسطينية، وربما كان الغرض حينها صرف الانتباه عن اهتمامات الشارع المصري، وإشغال الناس بقضايا لا تمس المشاكل الداخلية المتنامية في مصر".
وقالت "برنس"، في مقالها بالصحيفة الإسرائيلية: "كانت النتيجة أن المصريين مثلي تبنوا القضية الفلسطينية بصفتها قضيتنا، وكأن مصيرنا الشخصي مرهون بها، كما أن التداخل بين السياسة والدين جعل الأمور أكثر تعقيدًا، وهكذا، تم استبدال كلمة إسرائيلي بكلمة يهودي، وعندما كنت في الثالثة من عمري، أمضيت سنة في معبد يهودي صغير في القاهرة تم تأميمه في عهد جمال عبدالناصر وتحول إلى دار حضانة للأطفال، لكنني لم أتعرف على أي يهودي مصري، وكنت أعرف أن اليهود موجودون في مصر، ولكن بالنسبة لي كانوا مجرد مصريين، وسمعت عن الحي اليهودي الواقع في قلب القاهرة، المعروف بحارة اليهود، ورأيت معابدهم الكبيرة".
وتابعت: "إن العداء الشديد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والخلط الكبير عند الناس بين مصطلح (اليهود) ومصطلح (الإسرائيليين)، إلى جانب ما سمعته من الأئمة والوعاظ أثناء خطب الجمعة، كل هذا جعلني أتخيل اليهود وكأنهم مخلوقات متوحشة، لا تشبه أي شيء من صفات البشر من قريب أو بعيد، ولقد استغرق الأمر سنوات من النضج والسفر والقراءة لأتعلم أن الإسرائيليين أو اليهود هم بشر مثلنا، البعض منهم صالح، وبعضهم سيئ، مثلهم مثل جميع الناس الآخرين".
وأشارت إلى أنها التقت العديد من الإسرائيليين في سيناء وخارج مصر أيضاً، وكانت في البداية متحفظة في التعامل معهم لأنهم كانوا بمثابة "الأعداء"، ثم بدأت بالتفاعل مع من قابلتهم في مناقشات عقيمة حول الاحتلال والاستعمار والاستيطان.
واعترفت "برنس" بأن تلك المناقشات لم تكن تنته بطريقة إيجابية، قائلةً: "كنت مقتنعة بأن إسرائيل هي دولة احتلال، بينما يعتقد الإسرائيليون أن هذا هو وطنهم".
وأوضحت "برنس"، في مقالها، أن حرب "يوليو-أغسطس" عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله كانت حرباً حاسمة في نموها السياسي، إذ هالها الدمار الذي رأته في وسائل الإعلام، ما دفعها إلى السفر إلى لبنان كمتطوعة للمشاركة في أعمال الإغاثة، وبالرغم من رفضها الكامل للأحزاب الدينية، لكنها رأت أن عليها احترام المقاومة اللبنانية الممثلة في حسن نصر الله.
وعلقت على ذلك بقولها: "بعد ثلاثة أشهر من السفر عبر لبنان، ورؤية الدمار الذي لحق بدولة قريبة إلى قلبي، والاستماع إلى خطابات قائد حزب الله، أدركت شيئا مختلفا وهو أن هذه الحرب لا تخصني لأنها صراع قوة بين فصيلين، حتى لو لم يكونا متساويين في القوة، ولكن يستهدف كل منهما اكتساب اليد العليا في المنطقة، بينما لم تمثل أرواح الأبرياء أي أهمية لكلا الجانبين، ولقد تكررت الهجمات الإسرائيلية على غزة مراراً وتكراراً، لكنني تعلمت الدرس".
وقالت برنس: "كل هذه الحروب، وكذلك سقوط بغداد في وقت سابق، تركتني مستنزفة عقلياً، وقررت الابتعاد عن أي شيء يتعلق بأخبار منطقة الشرق الأوسط، التي وصفتها بأنها منطقة موبوءة من العالم، وبدأت أعيش حياة طبيعية مرة أخرى، مع التركز على عملي كأستاذة جامعية وكاتبة ومترجمة، كما قرأت الكثير وسافرت إلى الخارج كلما أمكن لها ذلك".
وقالت: "لم أقم بزيارة إسرائيل مطلقاً، وبالتالي لم يتسنى لي معرفتها من الداخل، إلا مجرد بضعة معلومات قليلة عرفتها من بعض الإسرائيليين الذين التقيت بهم في أيام عطلاتي، وهذا لم يؤهلني للحديث عن الإسرائيليين بشكل عام، ولكن بينما كنت أعمل في الولايات المتحدة كأستاذ زائر في كليات كليرمونت، تمكنت من قراءة العديد من الكتب من قبل كتّاب إسرائيليين، حيث توفرت ترجمات إنجليزية لأعمال عاموس عوز، وديفيد جروسمان، وسيّد قشوع، وعساف جفرون".
وتابعت: "سمعت للمرة الأولى أصواتا مختلفة من داخل النصوص الأدبية، من يهود إسرائيليين وعرب أيضاً، تعترف بهواجس القلق التي تشعر بها الشعوب والمخاوف التي تعترينا جميعا بغض النظر عن الخلفية التاريخية، لقد تعرفت أكثر على تل أبيب ومجتمعات الكيبوتز، ووجدت أننا نشترك في العديد من الأمور المشتركة بيننا، وأن ما يجمعنا هو أكبر مما يفرق بيننا".
وأضافت: "على الرغم من وجود تعاون بين مصر وإسرائيل على عدة مستويات، إلا أن التطبيع على المستوى الثقافي لا يزال الطريق إليه طويل نسبيا، كنت أعرف أنني سأواجه ردود فعل عنيفة في وسائل الإعلام وربما إجراءات قانونية لقراري مقابلة السفير الإسرائيلي، ومع ذلك، أخذت هذا القرار لأنني أؤمن بالمستقبل، وأعتقد أنه بعد 50 سنة من الآن ستكون الأمور مختلفة، لأنني أعتقد أن الأجيال القادمة ستكون مختلفة عنا ولن تفكر أو تتصرف كما نفعل الآن".
واختتمت "برنس" مقالها، بالقول: "لذلك، وعلى الرغم من الثمن الذي أعرف أنني سأدفعه، قمت بلقاء السفير الإسرائيلي في مصر ديفيد جوفرين نهاية 2018، من أجل أن يصبح هذا المستقبل ممكنا، وهو المساعدة في خلق مساحة أدبية وثقافية لإزالة الأضرار التي أحدثتها السياسة، وفتح الباب لإمكانات جديدة من أجل مستقبل أفضل لنا جميعا".