أستيقظ من نومى متأخراً على غير العادة. تهاتفنى والدتى وتخبرنى أن انفجاراً قد حدث عند مديرية أمن القاهرة. أسألها: فيه ناس ماتوا؟ فترد باكية بالدعاء لهم.
إلى الآن لا أستوعب فكرة كيف ونحن نيام فإن هناك من يموت من أجلنا؛ لأنه تقابل مصادفة مع إرهاب يقصده ويقصد كل من ارتدى الميرى. أعرف أن انفجاراً آخر حدث عند مترو البحوث، وثالثاً عند قسم الطالبية، وأقرأ عن تدمير محتويات المتحف الإسلامى.
هذا الصباح بطعم الدم، مرحباً بشهداء جدد فى مواكب الجنة، ولا عزاء لانتحارى قرر أن يحولهم لأرقام، فتحول هو نفسه إلى صفر على يسار مصر.
هذه المرة التفجيرات فى قلب القاهرة، فى قلب العاصمة، أسترجع كلام وزير الداخلية: اللى عايز يجرب يتفضل. وها قد جربوا يا سيادة الوزير وراحت ضحايا. صحيح أنه كان يتكلم عن تأمين السجون، لكننا الآن نتكلم عن تأمين وطن، أشعر بعد تفجيرات أمس بعدم الثقة فيك كواحد ممن يحرسون البلد. باب النجار مخلّع يا سيادة الوزير، وأنت لم تحمِ بابك، فكيف تحمى أبوابنا؟
أتفهم أن بعض دراويشه قد يهرعون للدفاع عنه، ولتأكيد أنه لا يجب إقالته فى هذا الوقت، وأعرف أن مصيره لن يكون الإقالة، وإنما خروجه فى تعديل وزارى وتوجيه الشكر له، وربما تكريمه بوسام، لكن من يكرم هؤلاء الغلابة الذين يموتون كل يوم؟
سيقول أحدهم: أنتم من تسممون بدنه، وتقولون له: لا تُحكم قبضتك الأمنية، وتهاجمونه إذا كان عنيفاً، وأقول: لا نتحدث الآن عن عنف، لكن عن تأمين، وليس تأمينا، بل هو تأمين مديرية أمن العاصمة، أفلا تعقلون؟
الإخوان ينفون، ولن يصدقهم أحد. يقول صديقى الإخوانى الذى يحلم بعودة «مرسى» للخروج من الأزمة، على حد قوله: كيف يفجر الإخوان مديرية أمن فى يوم يحشدون فيه إلى الخروج؟
المسألة عنده مسألة منطق، وهى عندى كذلك؛ فالذى ترك منصة تتحدث وتهتف بسحقنا وتهدد بنهايتنا وتؤكد قدرة الإخوان على التصعيد، والذى يريد عودة رئيس دعا للدم فى خطابه الأخير وقال عن شرعيته اللقيطة: «دونها دماؤنا، ودونها دمى»، فى دعوة صريحة للاقتتال، والذى أطلق يد الجماعات الإرهابية والتكفيرية فى سيناء، فكانت تتعاون معه حين كان فى الحكم، ثم أصبحت ذراعه العسكرية والإرهابية التى تتبنى كل التفجيرات بعد «غورانه فى داهية»، كيف يريد منى أن أصدق أن ليس له علاقة بما يحدث؟ وكيف لا ينتظر أن ينفجر الوضع فى لحظة ليصير قتلاً على الهوية، ينذر بحرب أهلية حقيقية لمجرد أنه لا يريد أن يفهم أن «مرسيه» لن يعود، وأنه خرج من التاريخ، ويزنّ على خراب عشه بأسلوب قد يجعله يخرج من الجغرافيا؟
اليوم 25 يناير. سينزل كثيرون للاحتفال، وسيكون هناك دم، و«سيزيط» الإخوان بكل هذا الدم وينفون مسئوليتهم عنه إذا لم يكن منهم، ثم يتهمون الجميع (جيش/ شرطة/ مفوضين/ شعب) حين يسقط منهم شخص واحد، بينما لا يفهمون أنهم من يتسببون فى هذا الدم.
لن أتعاطف أبداً مع من يرفض اتهام الإخوان فى أول رد فعل له على الحادث؛ لأنه لا يرى أن أحداً يملك اليقين أو الدليل على ذلك، بينما هو قادر على الجزم بأنهم مظلومون!!
وليستمر الإخوان فيما يفعلون، وليستمروا فى خروجهم، وليستمروا فى غبائهم، وسيصلون بنا لمرحلة أن يخرج على مسيراتهم من يحمل السلاح عليهم من الناس البسطاء، رفضاً لوجودهم فى الحياة، وسيفهمون لحظتها أن إقصاءهم من الحكم بيد الشعب أفضل بكثير من إقصائهم من الحياة بيد الشعب أيضاً، وللأسف الشديد، أرى ذلك يلوح فى الأفق، ويا رب سلّم مصر وارحمها واحفظ دماء المصريين.
قبل الختام أدعوك لأن تردد بصوت عال: مصر هتفضل غالية عليا، التى قالها بطل «وداعاً بونابرت» لـ«يوسف شاهين» ليحيّى صديقه، قبل أن يهتف بها الشيخ، قبل أن يهتف بها الجميع وهم يقفون فى مواجهة الحملة الفرنسية التى دخلت مصر بدعوى أنها «تحمل الخير لمصر». شاهد المشهد العبقرى، وابحث عنه وردد مع المصريين: مصر هتفضل غالية عليا.. مصر هتفضل غالية عليا.. مصر هتفضل غالية عليا.. مصر هتفضل.. غالية.. عليا.