أخيراً قالها شيخ الأزهر «إن تعدد الزوجات ظلم للمرأة»، وهو فى الحقيقة ظلم للمرأة والأسرة بأطفالها وظلم للدين نفسه وللرجل أيضاً، وقضية التعدد ليست قضية دينية فقط لكنها انعكاس لنظرتنا للزواج، ما هو، ولماذا نتزوج؟ هناك أكثر من منظور للزواج، المنظور الأول: منظور إنسانى يرى الزواج هو البحث عن أصل اكتمال الإنسان والعودة لصورته التى خلقها الله من نفس واحدة ونفخ فيها من روحه، هذا الاكتمال الإنسانى والنفسى تكون فيه العلاقة الحميمة جزءاً من علاقة أكبر هى علاقة توحد، ويكون غياب طرف يعنى فراغاً نفسياً وعقلياً، ويصبح لكلمة «حسك فى الدنيا - ربنا يخليكى ليّا» اختصار للحياة التى تصبح بلا معنى دون الطرف الآخر، هذا لا يعنى عدم وجود الخلاف والاختلاف، لأن الإنسان يختلف حتى مع نفسه أحياناً ويغضب من نفسه لكن مهما وصل الخلاف أو الغضب بين اثنين وحدهما الزواج لا يصل للإيذاء أو الجرح بالقول أو الفعل، هنا يتحقق فى العلاقة كل المعانى النبيلة وأولها الأمان، الصدق، استحالة الخيانة، لأن الزواج فى هذه الحالة «ونس ودفا»، حتى لو انتهت العلاقة الحميمة لأى سبب يظل الإشباع النفسى والإنسانى والإحساس بالكمال هو الأقوى. المنظور الثانى: منظور استهلاكى يرى الزواج أنه وسيلة حلال لممارسة العلاقة الحميمة، هنا يصبح الزواج مثله مثل الأكل والشرب هو وسيلة ضمن وسائل أخرى للمتع المتعددة فى الحياة، وبالتالى ينطبق عليه ما ينطبق على المتع الأخرى كالملل السريع، ويتجه الرجل إلى البحث عن متع أخرى تحتاج إلى غطاء شرعى ليبرر أفعاله، وهنا يأتى استعمال القرآن والدين، إما بالحق فى التعدد أو الاتجار فى البشر، كما حدث لتبرير الاتجار باللاجئات السوريات، رغم أن مصر بها نحو 5 ملايين من اللاجئين أغلبهم أفارقة ومسلمون يستحقون العناية والدعم إن صدقت النوايا، لكن لأن القضية ليس لها علاقة بالدين «السورية البيضاء هى من يميل إليها الهوى»، ويستخدم لتبرير التعدد أيضاً أكذوبة الحد مما يسمى «العنوسة»، رغم أن كل الإحصاءات كذبت وهم العنوسة، وأن لدينا أعداداً من الرجال تزيد على النساء بالأولى لو صدقت النوايا دعم الشباب ومساعدتهم على الزواج، هذه الرؤية الاستهلاكية المادية للزواج تتلازم معها مفاهيم المصلحة والتعامل مع المرأة باعتبارها أداة للمتعة وليست شريكة الحياة، وبناء على هذا التصور نجد سؤالاً مثل «إذا مرضت الزوجة هل يلتزم الزوج بعلاجها؟»، مثل هذا السؤال يتحدث عن آلة يستخدمها إنسان فيدرس الجدوى الاقتصادية من صيانتها أو شراء غيرها ولو مستعمل، وليس زوجاً حريصاً على زوجة تشاركه سريره وطعامه وأولاده وحياته، هذا التصور المنفعى المادى للزواج يمتد للمرأة أيضاً التى يتزوج عليها زوجها فتتعامل مع الرجل باعتباره آلة لتلبية احتياجاتها، وفى مجتمع يبرر الخيانة للرجل تحت غطاء شرعى باسم الزواج تختلف ردود فعل النساء، من ترفض بشدة ولا تقبل بامرأة أخرى تفسد عليها حالة الكمال والتوحد، ومن تشعر بالقهر الشديد وتتعايش معه باعتباره ابتلاء من الله وسيعوضها فى الآخرة خيراً لكن تكون دُمرت إنسانياً، ومن تقبل وتتعامل مع الرجل باعتبار أن له وظائف محددة «الجنس والإنفاق»، فإذا عجز عن أى من هذه الوظائف تصبح مشكلة كبيرة، وإذا عجز عن كليهما فمكانه فى «مخازن التكهين»، لأن التصور الاستهلاكى للزواج لا يبنى علاقات إنسانية وإنما علاقة مبنية على المنفعة، يدفع ثمنها الجميع، ربما المرأة تظلم مبكراً لكن الرجل أيضاً يدفع الثمن فى الخواتيم.