ضابط مخابرات إسرائيلي: الحكومات المصرية اعتبرت سيناء "بنت ضرة" وعبئا غير مرغوب فيه
أسباب الانفلات الأمني فى سيناء قتلت بحثا لكن التحليل التالي لرجل الاستخبارات الإسرائيلي الدكتور موردخاي كيدار- يقدم تفاصيل جديد تفسر أسباب غضب بدو سيناء من الحكومة المركزية فى القاهرة. "كيدار" - الأستاذ الجامعي الذى عمل لمدة 25 عاما في الاستخبارات العسكرية للجيش الإسرائيلي يؤمن أن سيناء سقطت في الفوضوي بفعل أكثر من فاعل فإسرائيل أثناء احتلالها لسيناء دللت البدو بان تركت لهم الحبل على الغارب وغضت الطرف حتى عن نشاطهم المتزايد فى التهريب حتى تأمن جانبهم وتستميل بعضهم والحكومة المصرية بعد أن "رجعت سينا تأنى لينا" لم تتواجد إلا فى قلب المدن الساحلية الرئيسية وزادت الطين بلة بأن سعت بمحاولة حل بطالة أبناء الوادي على حساب البدو ثم لعب فساد بعض رجال الأمن والمخابرات فى عهد مبارك دورا كبيرا فى أيغار صدور البدو بعد اتفاقية أوسلوا عام 1993 التي اعتقد أهالي سيناء أنهم سيلعبون - بعدها- دور الوسيط التجاري بين مصر وأهالي غزة لكنهم فوجئوا بأن أهل الحظوة احتكروا هذه المهمة لأنفسهم....التقرير بما كل ما يحمله سواء اتفقنا واختلفنا معه- يرصد جانبا من مأساة سيناء المهمشة من وجه نظر خبير عرف خبايا ما يجرى فى سيناء لسنوات طويلة
ويشير الدكتور" كيدار" فى بداية تحليله الذى نشره مؤخرا على موقع " جويش بريس" إلى أن شبه جزيرة سيناء لم تكن أبدا جزءا أصيلا من مصر، إذ أنها ضُمت إليها فقط في بداية القرن العشرين، عندما أرادت بريطانيا - التي كانت تحكم مصر في ذلك الوقت- خلق منطقة عازلة بين الإمبراطورية العثمانية وقناة السويس. والدولة المصرية لم تحاول أبدا فرض القانون والنظام المصري على سيناء، وهذا أمر يسهل إثباته: هناك عدد قليل من الطرق في سيناء وبين تلك الطرق مساحات العظيمة من الرمال التي لا تسمح لأجهزة الحكومة (الشرطة والخدمات الصحية والخدمات التعليمية و البنية التحتية) التوغل فيها . حتى الجيش المصري يعتبر سيناء فقط كمنطقة تدريب وساحة حرب مع إسرائيل، وبشكل عام، يمكن القول أن السلطات المصرية اعتبرت سيناء دائما عبئا غير مرغوب فيه أو "ابنة ضرة “ لا ينتظر منها شيء يذكر.[FirstQuote]
ويرصد "كيدار" – الأستاذ بجامعة بار إيلان - أسباب غضب بدو سيناء من الحكومة المركزية في القاهرة على النحو التالي: بعد احتلال إسرائيل لسيناء في يونيو 1967، توصل بدو سيناء إلى اتفاق مع الجيش الإسرائيلي فحواه: إذا سمحت إسرائيل لهم بالحكم الذاتي وتركتهم يعيشون كما يحلو لهم، فإنهم لن يعارضوا أو يقاموا الاحتلال الإسرائيلي. وبموجب هذا الاتفاق تجاهلت إسرائيل مزارع الخشخاش، التي وفرت جزءا كبيرا من استهلاك الأفيون فى العالم، وفى المقابل غض البدو النظر عن تصرفات السياح الإسرائيليين على شواطئ البحر الأحمر والتي لا تتفق مع عادات القبائل المحافظة. ونتج عن ذلك أن وفرت القرى السياحية التي ظهرت في طابا، ونويبع ودهب وشرم الشيخ مصدرا رغدا لدخل لهؤلاء البدو الذين استقادوا اقتصاديا أيضا من العيش بالقرب من القواعد العسكرية لجيش الاحتلال. أي أن العلاقة بين البدو وإسرائيل بنُيت على أساس بسيط وهو أن إسرائيل ليس لديها نوايا لتغيير هوية البدو ثقافيا ليصبحوا إسرائيليين، وأن إسرائيل سمحت لهم بالعيش وفقا للمبادئ والقوانين التي عاشوا عليها منذ زمن سحيق.[SecondQuote]
وهناك ملحوظة هامة وهى أن الحدود بين إسرائيل ومصر كانت مجرد خط على الخريطة، وليست سياجا أو جدارا حقيقا ، وهذا مكن بدو سيناء، من التواصل والتعاون مع أفراد عائلاتهم الذين يعيشون في صحراء النقب، فى أنشطة التهريب التي شملت البضائع والمخدرات والنساء والمهاجرين غير الشرعيين الذين يبحثون عن عمل في إسرائيل. السلطات الاسرائيلية من جانبها كانت على علم بهذه الأنشطة، ولكن لسنوات لم تفعل شيئا يذكر لوقفها، لأنها تخدم المصلحة الاقتصادية للطرفيين، فضلا عن رغبتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع بدو سيناء، الذين أفاد بعضهم الإسرائيليين استخباراتيا أيضا، أى أنهم أصبحوا مصدرا للمعلومات والبضائع المهربة.
ووفقا لـ "كيدار" فإن صناعة الأنفاق بدأت في الازدهار فى قبل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة قبل عام 2005، ، وتحول التهريب إلى مصدر دخل مهم جدا بالنسبة لبدو شمال سيناء. وبعد أن تولت حركة حماس حكم قطاع غزة بداية من يونيو 2007، أصبحت الشريك الرئيسي للبدو في عمليات التهريب، لأن جزءا كبيرا من ايرادات الحركة حماس يأتي من الضرائب التي تفرض على اصحاب الأنفاق و مشغليها والبضائع التي يتم تهريبها.
ويذهب "كيدار" إلى أكثر من 30 عاما في بحثه عن جذور أزمة البدو فيقول: عندما انسحبت إسرائيل من سيناء في عام 1982، واستعادت مصر السيادة على شبه الجزيرة، لم تعد الدولة المصرية إلى المناطق المفتوحة أو إلى الجبال العالية فى سيناء، واكتفت بالتواجد فى المدن المتفرقة على السواحل مثل رفح، العريش، الشيخ زايد، على البحر "الأبيض المتوسط "، و طابا ودهب ونواب، شرم- الشيخ على ساحل "البحر الأحمر" والطور، رأس سدر، وأبو روديس، بور فؤاد على خليج السويس .
حاولت الحكومة المصرية فى مرحلة لاحقة حلا لمشكلة البطالة في محافظاتها المختلفة في عهد مبارك، حث الكثير من الشباب للذهاب إلى سيناء للعمل في صناعات النفط، والمحاجر والسياحة. وشرعت الحكومة فى إقامة مشروعات لزراعية في سيناء اعتمادا على مياه نهر النيل. لكن البدو اعتبروا استقدام الآلاف من محافظات الوادي محاولة لحصارهم ودفعهم للخروج من مناطقهم وحرمانهم من مصدر رزقهم. وكانت هذه الخطوة بداية التوتر بين الدولة المصرية والبدو في سيناء بعد الانسحاب الاسرائيلي من شبه جزيرة سيناء ..[ThirdQuote]
وزاد التوتر بين الحكومة المصرية والبدو بعد توقيع اتفاقات أوسلو (1993)،عندما بدأت الصناديق الدولية فى ضخ مساعداتها لقطاع غزة. وقد أدى تدفق هذه الأموال لزيادة فى الطلب- من جانب الفلسطينيين- على السلع الإسرائيلية بشكل رئيسي ومن مصر أيضا، نظرا لانخفاض الأسعار هناك. البدو فى شمال سيناء استبشروا خيرا بهذا الرواج واعتبروا أنفسهم الوسيط الطبيعي بين غزة ومصر، في حين أن كبار المسؤولين فى الدولة ( خصوصا كبار رجال الشرطة المخابرات ) قرروا الاستئثار بعوائد هذه الاتفاقية ( الوساطة المالية، والتجارة والنقل.)لأنفسهم، وزاد التوتر أكثر وأكثر عندما بدأت التجارة مع غزة تشمل الأسلحة المهربة للفصائل المعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية، خصوصا حماس والجهاد الإسلامي عن طريق سيناء، وليس من إسرائيل.
في موازاة ذلك، وجد عشرات من العناصر الجهادية الملاحقين من "حماس" بسبب معارضتهم لها بين البدو في العريش والشيخ زويد ملجأ آمنا لهم. وبهذه الطريقة، ظلوا على مقربة من منطقة عملياتهم، ولكن في مكان آمن. وأرسلت حكومة حماس رجال مخابرات لشمال سيناء، لجمع معلومات عنهم، ولتنظيم التهريب من الجانب المصري، وكان ذلك تحت سمع وبصر بعض رجال الأمن المصري الفاسدين فى عصر مبارك.
وحاولت حركة حماس تحويل سيناء إلى قاعدة ثانوية لمهاجمة إسرائيل، ولأن سيناء تحت السيادة المصرية، عجزت إسرائيل عن الرد. وفي كل مرة تكثف إسرائيل بحثها عن عناصر حماس التي تطلق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة، تنقل حماس المعركة إلى سيناء بمهاجمة حافلات ودوريات عسكرية إسرائيلية, أو إطلاق صواريخها نحو المدن الإسرائيلية، وذلك على حساب السيادة المصرية. والآن، - بعد سقوط "مرسي" تتهم مصر حماس بالمسؤولية عن الفوضى في سيناء، ولديها أسباب وجيهة فى ذلك.
وخلال السنوات العشر الأخيرة بدأ الجهاديون من ساحات القتال الأخرى التي أصبحت خطرة جدا عليهم، خصوصا العراق وأفغانستان، التوافد على سيناء، ، بحثا عن ملاذ آمن ووجدوه أيضا بين البدو. وجلب هؤلاء الجهاديون معهم خبرات قتالية كبيرة في استخدام الأسلحة وتسليح المركبات وتصنيع القنابل وإعداد السيارات المفخخة. وفي يناير وفبراير 2011، تلقى هذه الجماعات الجهادية تعزيزات كبيرة عندما هرب مئات من العناصر المتطرفة من السجون في مصر لتسقر فى سيناء.
بالنسبة للمصريين، كان ذلك "الربيع العربي"، أما بالنسبة للجهاديين فقد كان ذلك إيذانا بأن يفعلوا ما يحلو لهم، سواء ضد مصر أو إسرائيل. و سعيا للحصول على التبرعات والأسلحة والذخيرة (من الجهات الراعية للإرهاب)، كان على الجهاديين فى سيناء تنفيذ هجمات ارهابية و تكوين تنظيمات مختلفة بأسماء متعددة. وفي أكتوبر 2004، هوجم فندق هيلتون طابا فى رأس الشيطان، في إبريل 2006، نفذوا ثلاثة هجمات ارهابية في مدينة دهب، راح ضحيتها 27 شخصا وحوالي 100 مصاب. وفي إبريل من عام 2010، تم إطلاق صاروخي كاتيوشا من سيناء باتجاه ميناء إيلات، وسقط أحدهما في منطقة العقبة بالأردن،. وفي أغسطس 2011، تسللت مجموعة إلى داخل حدود إسرائيل من شمال عين نتافيم وقتلت 8 إسرائيليين. في إبريل 2012 أطلق صاروخ جراد باتجاه مدينة إيلات وسقطت بالقرب من منطقة سكنية. وشهد أغسطس 2012، العملية الإرهابية الشهيرة التي راح ضحيتها 16 جنديا مصريا واستخدم القتلة مدرعة مصرية لاختراق الحدود الإسرائيلية قبل قتلهم. وسبق هذه الحادثة محاولات متكررة من جانب بدو – على الأرجح بمساعدة من الجماعات الجهادية – لتفجير أنبوب الغاز الذي المتجه لإسرائيل والأردن. ويتابع "كيدار " أن صعود الإخوان للرئاسة في مصر في نهاية يونيو 2012 كان أفضل خبر للجهادين من سيناء، لأنهم أدركوا جيدا أن هذه الحكومة لن تلاحقهم بجدية بسبب العلاقات الوثيقة –أيديولوجيا- بين الإخوان والجهاديين: إذ يعتقد كلا هما بسمو الإسلام على باقي الأديان وكلاهما يؤمن بحتمية الجهاد، ويرى إسرائيل ككيان غير شرعي وكلاهما يسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية وبالفعل، أعاق الرئيس مرسي الجيش من ملاحقة الجهاديين في سيناء، والأكثر من ذلك أنه أقال قادة الجيش ردا على قتل الجهاديين لـ 16 جنديا في أغسطس 2012. "وانتظر الجيش اللحظة المناسبة للتخلص من مرسي والجهاديين الذين بسطوا سيطرتهم على سيناء، وجاءت هذه الفرصة خلال المظاهرات الحاشدة التي اندلعت في مصر فى 30 يونيو"
والجيش مشغول هذه الأيام بمواجهة أنصار مرسي فى ساحات القاهرة والإسكندرية، والجهاديون فى سيناء يدعمون جماعة الإخوان ومطلبهم فى عودة الرئيس المعزول. والجيش مقتنع بأن هناك علاقة بين قيادة الإخوان والجماعات الإرهابية في سيناء، و تتوقع جماعة الإخوان من هذه الجماعات أن تكثف من هجماتها ضد الجيش لتخفيف الضغط على أنصارها في الساحات العامة. ولذلك، فمن المتوقع أن تصعد هذه الجماعات من عملياتها ضد قوات الأمن انتقاما لقتلى الإخوان وعقابا للجيش على فض اعتصامي رابعة والنهض فى أغسطس الماضي. وتوقع أن يستخدم هؤلاء الجهاديون . صواريخ جراد فى عمليات في اتجاه إيلات والقاهرة والإسكندرية. ويوضح خبير الجماعات الإسلامية أن الجهاديين يستعدون لمعركة طويلة مع الجيش و تحقيق النصر فيها سيتكلف الكثير من الخسائر، و يتحصنون في الشقوق الجبلية، التى تتحول فيها الدبابات لـ"بط ببلدي" عاجز عن الحركة. ولابد من الاعتماد على قوات تمشط هذه الجبال على الأقدام أو بواسطة طائرات الهليكوبتر التي يمكن للجهاديين إسقاطها بسهولة.