م الآخر| دولة الغريب (6).. طريق النجاة
كان أبويوسف بن يعقوب، يرى أن العالم الإسلامي دائمًا ما يتلف حول القائد المنقذ، وكان يرى في القلزم نقطة ارتكاز بين الشام ومصر والحجاز، وهي نقطة فصل جيدة بين أطراف الدول الإسلامية في آسيا وأفريقيا، فهي تستطيع أن تتوسع شرقًا وغربًا، كما أنها ستكون مدينة جديدة كما فعل المهدي الفاطمي، عندما أنشأ المهدية لتكون عاصمة لدولته.
كما أن السيطرة على طريق الحجاز وتحريره من القرامطة، وعودة الحج والانتصار على أعداء الإسلام وفتح طريق الحج، يجذب الأنظار للدولة الجديدة القائمة، فيجذب لها العديد من الأمراء لينطو تحت الدولة الجديدة.. كما أن الخلفية العباسي ومكانه شاغر، وأن دولة الإسلام في حاجة لخليفة جديد.. إن الدولة العباسية في فراش الموت الآن وتحتاج من يضعها في التراب.. إن دولة الإسلام في حاجة إلى من يجدد شبابها.
جميع أركان الدولة تداول أخبار رحلة أبويوسف البرية للحج، وأن حلم الحج سوف يكون حقيقي على يد أبويوسف.. أخيرًا سوف يعود الحج، الجميع يستعد للخروج فتيان وعجائز، حتى أن الأمر وصل إلى الخليفة الناصر في الأندلس، فبارك الأمر وترك من يريد أن يذهب معه يذهب، ورأى أنها معركة قد تكون مفيدة له في المستقبل، فمن خلالها يستطيع أن يحسب قوة كل الدول الإسلامية الأخرى، ولذلك قرر أن يرسل في الرحلة عين له، رجل من أخلص رجاله يدعى سيف الدولة، ليرسل له ما يحدث.
ومن المعروف عن الناصر أنه ورث دهاء بني أموية، وكما أنه حمل بالعديد من الرسائل إلى عيونه في الدول التي ستمر عليها القافلة.. وأرسل عين أخرى على سيف الدولة.. إن دهاء بني أموية لا يتوقف وكانت الأندلس في عهد الناصر في أزهى عصورها ورونقها، فكان دولته في ذروتها.
لم ترضى زوجته الذهاب معه في رحلة النجاة وفضلت البقاء في فاس، حيث الذكريات والحياة.. كانت ترى أنها لا تستطيع الحياة خارج فاس.. ودار بينهما هذا الحوار:
- لن أتي معك
- كل أهالي الحي سوف يأتوا معي، الكل يبحث عن النجاة معي
- ولكنهم يصدقونك
- وأنتي يا زوجتي الحبيبة
- أنا زوجتك، هل هناك زوجة تصدق زوجها؟ إني الوحيدة التي أدرك حقيقتك
- ما هي حقيقتي إذن؟
- واهم، حالم، باحث عن بطولة زائفة، وسوف تأخذ الجميع معك للهلاك
- ليس لدي وقت، يجب علي الاستعداد لرحلة الخروج
كانت زوجته ترى أن يوسف مجرد واهم يجري خلف سراب، أنه هو الذي أدى إلى قتل ابنه يوسف منذ ثلاث أعوام، عندما أخذه معه في الجيش، ومنذ مقتل ابنها وهي لم تعد تطيق زوجها ولا الحياة.. تذهب كل أسبوع لزيارة قبر ابنها الوحيد تقص عليه ما يحدث، ولكنه لم يجيب عليها وكأنه لا يسمعها، يستعد أبويوسف للخروج بالطريق البري، حيث قرر أن يحج بالطريق البري كما كانت العادة.
تذهب زوجته للفراش فتتذكر بداية زواجهما، وكيف كان زوجها محب لها حيث الفروسية والشجاعة النادرة، وكان لا يخاف شئ، والكثير من الفتيات كانت تتمنه، فتركت قصرها الأميري وذهبت إلى بيته المتواضع، ولكن مع السنوات اكتشفت عجز اختيارها وندمت بشدة، وماذا تفعل بقائد يضيع كل وقته حول عمله ومستقبله؟.. حتى عندما يأتى البيت يظل صامتًا مفكرًا فيما من الممكن أن يحدث؟.. أليس من الأفضل أنها كانت تزوجت رجلًا عاديًا يهتم بها ويراعها ويكون بجوارها، حتى ابنها الوحيد يوسف ظل يقص عليه قصص الفروسية، حتى استشهد في إحدى معاركه.