رئيس «بحوث البساتين»: ننتج 5% فقط من زيوت الطعام.. والزيتون الحل السحرى لسد «الفجوة»
الدكتور محمد جبر
فى مكتبه بمعهد بحوث البساتين، التابع لمركز البحوث الزراعية، فتح الدكتور محمد جبر، رئيس المعهد، خزائن علمه وأسراره لـ«الوطن»، متحدثاً عن خطط الدولة لزيادة إنتاجية الزيتون بالتوسع فى المساحات المنزرعة، على قرابة 50 ألف فدان، وزراعة 100 مليون شجرة، وتطوير صناعة زيت الزيتون وزيادة حصتنا التصديرية منه.
وأكد «جبر» أن الساحة العالمية أصبحت مفتوحة أمامنا، بعد خروج أكبر منتجين له، وهما إسبانيا وإيطاليا، إثر إصابة محصولهما بمرض «الزايللا» الذى قضى على أشجار الزيتون ولم يعد أمامنا إلا أن نستغل الفرصة لنصبح رقم واحد فى «زيت الزيتون» مثلما كنا رقم واحد العام الماضى فى إنتاج زيتون التخليل.
"جبر": مصر رقم واحد عالمياً فى إنتاج زيتون المائدة العام الماضى.. والتوجه الآن لزراعة أصناف الزيت ومؤهلون لتصدر المركز الأول
تحدث رئيس المعهد عن «زيت الزيتون» باعتباره الحل السحرى الذى يمكن أن يحل مشكلة الفجوة الكبيرة، غير أن الرجل الذى تتصدر مدخل مكتبه الآية القرآنية «رب اجعل هذا البلد آمناً»، والمسئول عن إعطاء تصاريح استيراد الشتلات من الخارج، دق ناقوس الخطر من احتمالات انتقال المرض الذى قضى على زراعة وصناعة الزيتون بأكبر دولتين منتجتين، إلى مصر.. وإلى تفاصيل الحوار:
ما خطط الدولة، وفى القلب منها وزارة الزراعة، لتطوير زراعات الزيتون وإنتاج الزيت منه؟
- كان هناك اجتماع فى مجلس الوزراء منذ شهرين تقريباً لمناقشة دراسة أعدها المعهد بهذا الخصوص، وهناك مشروع لزراعة 100 مليون شجرة زيتون، لزيادة عدد أشجار الزيتون بمصر، ومصر تنتج الآن 5% فقط من حجم الزيوت التى تستهلكها، وتستورد 95%، وكان مطلوباً منا أن نقدم حلولاً لتغطية الفجوة فى استهلاك الزيوت، والحلول الأخرى كانت تقليدية بالاعتماد على زيت عباد الشمس والكانيولا، ولكن الحل السحرى تمثل فى زيت الزيتون، حيث يمكن التوسع بشكل كبير فى زراعة شجرة الزيتون التى تتحمل الظروف الصعبة، ويمكن زراعتها فى الأراضى الجيرية والملحية، وهى تتحمل ملوحة المياه، وهو ما يجعل من الممكن زراعتها فى أماكن يصعب زراعة محاصيل أخرى غيرها فيها، وبالإضافة لما سبق فإن الزيت المستخرج منه هو أجود أنواع الزيوت، وسعره الأغلى بينها، ولو استطعنا إنتاج كميات كبيرة منه، فإن جزءاً منها سيلبى الطلب المحلى، والباقى نتوجه به للتصدير بسعر مرتفع، ومن العائد يمكن أن نستورد زيوتاً عادية تساوى 10 أضعاف الكمية التى سنصدرها، والدراسة تم تقديمها لرئاسة الوزراء، والمفروض أنها تُعرض على السيد رئيس الجمهورية الآن.
بكتيريا "الزايللا" قضت على زراعة وصناعة زيت الزيتون فى إيطاليا وإسبانيا.. والساحة الآن مفتوحة أمامنا
وما وضع مصر الآن على الخريطة العالمية فيما يتعلق بإنتاج الزيتون؟
- مصر كانت الدولة رقم واحد على مستوى العالم فى إنتاج زيتون المائدة العام الماضى، والعام الحالى كانت رقم 2، لأن الظروف المناخية عندنا لم تكن مواتية إلى حد ما، والتوجه الآن أن نتجه لزراعة أصناف الزيتون المخصصة لإنتاج الزيت، ونحن مؤهلون بالنسبة لزيت الزيتون أن نكون رقم واحد أيضاً، لأن هناك مشكلة كبيرة فى إيطاليا وإسبانيا، عبارة عن مرض بكتيرى اسمه «الزايللا»، قضى على زراعة وصناعة زيت الزيتون فيهما، وهما أكبر منتجين عالمياً، والولايات المتحدة تستورد منهما 30% من احتياجاتها، وهذا يعطى مصر الفرصة الكبيرة لأن تحل محلهما، والمستثمرون الذين سيزورون مصر مع المجلس الدولى للزيتون فى اجتماعه الذى سيعقد أبريل الحالى، أغلبهم إسبان وإيطاليون، ويريدون أن يهربوا من مشكلتهم هناك، وينقلوا استثماراتهم لمصر.
هل هناك احتمالات لأن يدخل هذا المرض مصر؟
- طبعاً هناك احتمالات بلا شك.. ولذلك نحن نمنع استيراد الشتلات، والحجر الزراعى سمح بمشتل واحد موجود فى المغرب، على أساس أنها خالية من المرض إلى الآن، والمفروض أنه لو سيتم الاستيراد فسيكون عن طريقه، ولكن الحقيقة هناك تحفظ كبير جداً من قسم بحوث الزيتون بمعهد البساتين، الذى يرفض بشكل رئيسى أن يتم استيراد أى شتلات من الخارج، خاصة أن هذا المرض يمكن أن يصيب المحاصيل الرئيسية من الفواكه والخضر، وبينها محاصيل تصديرية مهمة كالموالح والعنب، وبالتالى لا بد أن نكون أكثر حذراً فى الاستيراد.
وهل هناك نسبة تم استيرادها فى السابق من خلال المشتل المذكور بالمغرب؟
- لا، حتى الآن لم يتم استيراد ولا شتلة واحدة من الخارج، ولكن تم تقديم طلبات لمعهد بحوث البساتين، المعنى كذلك بالموافقة على دخول الشتلات المستوردة، وإلى الآن لم يتم الاستجابة لها.
هناك من يقول إن المغرب التى تم السماح باستيراد شتلات منها من قبل «الحجر الزراعى»، وصلها المرض؟
- لا بد أن تكون هناك وثائق تقول ذلك، وأن يصدر عنهم ورقة علمية تقول إن المرض ظهر عندهم، وحتى هذه اللحظة لم يحدث ذلك، بالرغم من أننا لدينا معلومات أنه وصل لديهم، لأن المسافة بين إسبانيا والمغرب بسيطة جداً، وممكن أن ينتقل المرض ببساطة خلالها، ولو عن طريق الهواء حتى، لكن فى غياب وثائق رسمية تقول ذلك لا نستطيع أن نقول ذلك رسمياً.
ألا يمكن أن تغطى مشاتلنا احتياجاتنا للتوسع فى زراعة الزيتون بدون حاجة للاستيراد؟
- نعم، إمكانياتنا ومشاتلنا يمكن خلال سنة مثلاً أن توفر لنا 10 أضعاف الكمية التى تم التقدم مؤخراً بطلب لاستيرادها، وهى 80 ألف شتلة، والمشتل الخاص بمعهد بحوث البساتين يستطيع وحده أن يوفر هذه الكمية، لكن لا يجوز أن تقول لى أريدها الآن، خاصة أن هناك مرضاً خطيراً يمكن أن يصل إلينا.
مستوردون يضغطون لاستيراد شتلات.. ولم نسمح بدخول شتلة واحدة
هناك من يقول إن هناك «أصحاب مصالح» يدفعون فى اتجاه استيراد الشتلات؟
- هذا صحيح.
ومن أصحاب المصالح هؤلاء؟
- مستوردون.
وهل ينجحون فى الضغط من أجل ذلك؟
- نتمنى ألا يحدث ذلك، وسنستمر فى ثباتنا على موقفنا، لأن الأسباب التى نسوقها للرفض قوية، فالصنفان اللذان يريدون استيرادهما وهما «الأربزانا»، و«الأربوكينا» تنخفض بشدة إنتاجية وجودة الزيت منهما فى الظروف المصرية، لأنهما أساساً موجودان فى شمال إسبانيا، والظروف الجوية هناك والبرودة مختلفة عن الظروف الجوية هنا، وعندما تمت زراعتهما هنا على سبيل التجريب، وجدنا أن صنف «الأربزانا» لم يزهر بدرجة جيدة، والصنف آخر وهو «أربوكينا» جودة الزيت المستخرج منه تنخفض بشكل كبير جداً، بل إنه يخرج عن كونه زيت زيتون، ويعتقد الخبراء بمعهد تكنولوجيا الأغذية أنه لن يمكن تصديره من الأساس، والسؤال هو أنه لو تمت زراعتهما على نطاق واسع، ألن يكون ذلك خسارة للبلد، هذا هو المتوقع.
وما مصلحتهم فى هذين النوعين تحديداً؟
- هناك وجهة نظر تحكمهم، وهى أن هذين الصنفين يتبناهما الآن المجلس الدولى للزيتون الذى يريد أن ينشر استخدام زيت الزيتون على مستوى العالم، ووجهة نظر المجلس فى ذلك أن الأصناف الموجودة الآن، على مستوى العالم، وبينه مصر، الزيت الذى يستخرج منها غير مقبول كثيراً لدى الأجيال الجديدة، وذلك بسبب قوة طعمه أو نسبة المرارة به، التى تعتبر علامة على الجودة، ولكنهم يقولون «مش عايزين ننتج هذا المنتج الجيد لأنه غير مرغوب فيه لدى المستهلك، والأجيال الجديدة غير مقبلة عليه».
يفهم من ذلك أن المقصود تقليل الجودة والفائدة الصحية من أجل الترويج والبيع؟
- بالضبط، وهى نفس فكرة التسويق المعروفة دولياً، ومفادها إنتاج السلعة المرغوبة والمطلوبة فى السوق، والجيل الجديد يريد طعم الزيت الخفيف، وهذه الأصناف تنتج هذه النوعية من الزيوت، ولذلك يريدها «المجلس الدولى للزيتون» ويسير وراءه فى ذلك «المجلس المصرى للزيتون» والمستثمرون المقبلون فى المؤتمر المقرر عقده الشهر المقبل، ولكن هذا الكلام مردود عليه، فإذا كانت زراعة هذه الأصناف بمصر ستؤدى لانخفاض شديد فى الجودة والكمية، فلنُنتج أنواع الزيوت الجيدة ونحاول الترويج لها ونقنع الناس بفائدتها ونجعلها تنتشر.