اللهم إني صائم.. «الطالبية»: محلات الشاورما غيَّرت لـ«الكنافة» وقِدرة الفول «أيقونة الشوارع» تتحدى التكاتك
بائع فول يقف فى أحد الشوارع
ضجيج التكاتك المتكدسة وصخب سائقيها الذين تعالت أصواتهم فى سبيل الحصول على الزبائن، بينما أخذ البعض منهم يعترض المارة لسؤالهم عما إذا كانوا بحاجة لركوب المواصلة الأسرع والأكثر انتشاراً فى منطقة الطالبية، قبل أن تقرر دوريات المرور بين الحين والآخر، خاصة خلال نهار رمضان، تفقد الشارع ومصادرة أغلب تلك التكاتك غير المرخصة بوضع الأقفال عليها وجرها إلى قسم الشرطة الذى تتبعه المنطقة، بينما يلجأ بعض رجال الأمن إلى تكسير واجهاتها باستخدام عصا حديدية فى حال أبدى سائق التوك توك أى مقاومة، وسرعان ما يشتعل فتيل الأزمة ويشرع الطرفان فى تبادل السباب والشتائم غير مبالين بما يقتضيه الصيام من حفظ الألسنة، الأمر الذى يؤدى إلى هرج ومرج وكر وفر، لينتهى الحال بأصحابها على أبواب أقسام الشرطة فى محاولة لتخفيف الغرامة واستعادة مصدر رزقهم، مفسحين الطريق أمام عربات «الكُنيسة»، التى يستغل سائقوها الفرصة لرفع الأجرة على الركاب، بينما يستغنى البعض الآخر عن العمل ويتخذ من سيارة الأجرة مكاناً للراحة ويحل المقعد الأمامى محل السرير لأخذ قيلولة سريعة تعينه على استكمال يومه الطويل حتى يحين موعد الإفطار.
نهار عادى يسير بشكل روتينى، لا تتوقف فيه الحركة، ويفترش الباعة الأرض لعرض بضاعتهم التى تنوعت بين الطعام وأدوات المطبخ، بالإضافة إلى بعض قطع الملابس المعلقة فوق حامل حديدى على جانبَى الطريق والتى جذبت عدداً من النساء اللاتى أنهين عملهن فى إحدى شركات الأدوية فى المنطقة، وعلى مقربة منهم جلس أصحاب بعض محلات العطور والإيشاربات فوق كراسى خشبية خارج دكاكينهم التى فتحت أبوابها فى تمام الواحدة ظهراً، وهو التوقيت المخصص لشهر رمضان فقط، نظراً لضعف حركة البيع والشراء، ففى الأيام العادية يبدأ العمل منذ العاشرة صباحاً. وعلى الرغم من كون الساعة لا تزال الواحدة والنصف ظهراً فإن بائعى الفول كان لهم حضورهم المميز واللافت، حيث تشكل القدرة الممتلئة بالفول الساخن دخلهم الوحيد، فليس هناك فرق بين وجبة السحور والإفطار بالنسبة لبعض الأشخاص الذين التفوا حول العربة وامتدت أيديهم ببعض الجنيهات للحصول على عدد من أكياس الفول المحوج التى تشكل، مع أرغفة الخبز البلدى الطازج الذى خرج للتو من الفرن وأخذ يتلقفه الصبى قبل أن يعبئة فى الكيس وعلبة المخلل، وجبة غذائية متكاملة بثمن زهيد وفى متناول اليد، وعلى بُعد خطوات من عربة الفول تقع السوق المركزية للمنطقة، التى لا تنقطع عنها الحركة، فهى بمثابة سلة غذاء للمكان، يفترش بعض التجار الشارع أمام السوق المكتظة بالناس بسبب الحر وحتى لا تتلف خضراواتهم وللحصول على مساحة أكبر لعرض ما بحوزتهم، الأمر الذى يؤدى دائماً إلى نشوب مشادات كلامية بين التجار وسائقى سيارات الأجرة ومالكى السيارات الخاصة، قد تتطور إلى الاعتداء البدنى نتيجة توقف حركة السير وتكدس السيارات التى تمر واحدة تلو الأخرى من ممر صغير ببطء شديد.
وأمام شركة صناعة الأدوية الواقعة فى بداية الشارع، كان الازدحام لافتاً على غير المعتاد يمكن للمارة ملاحظته من بعيد، قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك شيئاً ما يتم توزيعه مجاناً، ولكن ما إن تقترب من المكان حتى تظهر من خلف الحشود التى أتت حاملة بيديها «شفاشق وجراكن وزجاجات فارغة»، عربة صغيرة تستقر أمام محل عصير بالكاد يكفى لوقوف شخصين داخله، تعلو العربة لافتة كُتب فوقها بخط واضح «تمر معوض ولا يتعوض»، هذه الجملة هى كلمة السر التى جذبت هذا العدد الكبير من الزبائن، لا يشعر سكان المنطقة بقدوم رمضان دون الاصطفاف فى طوابير ما تلبث أن تتحول إلى شكل عشوائى تغلق الشارع بالكامل كلما اقترب وقت الإفطار، الأمر الذى يضطر ملاك المحل إلى الاستعانة ببعض الواقفين لتغيير مسار السيارات واعتماد اتجاه واحد للدخول أو الخروج من الشارع، كما يقوم البعض الآخر بمساعدة العاملين لتلبية الطلبات بشكل أسرع، فالجميع يريدون الحصول على حاجتهم من العصير الذى سيروى ظمأهم بعد يوم رمضانى طويل وحار قبل أن يرتفع أذان المغرب، ما يضطر كبار السن والأطفال إلى الاصطفاف على الرصيف بينما يستغل الشباب خفة حركتهم ليأخذوا أماكنهم فى المقدمة. وعلى مسافة ليست ببعيدة عن مطلع الشارع نُصب شادر كبير امتد حتى منتصفه، وأمامه وُضع موقد استقرت فوقه صينية كبيرة تحولت إلى اللون الأحمر بفعل اللهب المشتعل تحتها، وعلى مقربة من الصينية وقف صانع الكنافة يغزلها لتظهر على شكل ضفيرة طويلة لتبدو كشكل مميز للحلوى التى يتهافت الجميع على شرائها، بينما انشغل شقيقه فى صنع القطايف ومراقبتها وتقليبها يميناً ويساراً باستخدام ملعقة طويلة، حتى يتأكد من نضجها بشكل كامل. لا يعتاد سكان الطالبية شراء أصناف الحلويات من ذلك المحل تحديداً سوى فى شهر رمضان، فمالك المكان الذى يقدم فى الأيام العادية ساندوتشات الشاورما والبرجر والكريب، يرى أن الإقبال عليها ليس بالشكل المطلوب ولا بد من تغيير النشاط ليتناسب مع طلبات الزبائن.