لا شك أن شهر رمضان يثير العديد من الذكريات الجميلة عند الشعب المصرى.. لما يتسم به هذا الشهر من ملامح مميزة يعرفها جيداً كل من تربى عليها.. إنها ذكريات أحرص على كتابتها كل عام.. لأنها أصبحت مع مرور الوقت بمثابة خبرات حياة، وهى ترتبط بشكل مباشر بالتربية، فقد نشأت فى عائلة لا تعرف معنى كلمة الطائفية أو التعصب، كما نشأت فى حى شبرا.. ذلك الحى الذى لا يمكن أن ينساه كل من يولد فيه أو يسكن فى منازله، وتلقيت دراستى الأولى بمدرسة دى لاسال (الفرير بالظاهر) بين أصدقاء ومدرسين مصريين بالدرجة الأولى.. أتذكر هنا أننى لم أسمع من والدى الذى رحل منذ عام تقريباً ما يشير إلى ديانة أى من أصدقائه بقدر ما يشير لمدى عمق ومتانة هذه الصداقة. وعندما كنا نسمع صوت الأذان ونتساءل أنا وأختى الصغيرة عن ما نسمعه؛ فكان يقول إنه كلام ربنا، وكان أبى يضع فى صالون منزلنا على «ترابيزة» صغيرة نموذجاً مصغراً من الأهرامات الثلاثة وعلى يمينها علبة «قطيفة» حمراء وعلى يسارها علبة «قطيفة» حمراء ثانية، ولم يكن يستطيع أحد أن يميز فى أى منهما يوجد الكتاب المقدس أو القرآن الكريم إلا بعد فتحهما، وكان أبى يشجعنى على الذهاب لكافة الأماكن المقدسة المصرية المسيحية والإسلامية، كما أذكر مفاجأته السنوية خلال شهر رمضان، حيث كان «المسحراتى» يقوم بالنداء علينا أنا وأختى الصغيرة يومياً.
ومثلما كان يقوم والدى بتزيين المنزل فى الاحتفال بالكريسماس «الغربى» ورأس السنة وعيد الميلاد «الشرقى المصرى».. كان يقوم أيضاً بشراء فوانيس رمضان الجميلة لنا، وشراء الحلوى فى رأس السنة الهجرية.. وهى مظاهر مصرية للاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية، ولا شك أن ما تميز به أبى من مصرية أصيلة.. كان له التأثير الكبير فى تكوينى الشخصى سواء فى النظر لنفسى أو لمن هم حولى، وهو ما يجعلنى أتصور لو كان أبى غير هذا الذى علمنى هذه المبادئ والقيم؛ فهل كنت سأكون بتلك الدرجة نفسها من الرؤية الشاملة لتلك العلاقة بين المواطنين المصريين المسيحيين والمسلمين؟!. لقد تعلمت من خلال ما سبق قيمة المساواة بين الكاهن والشيخ.. فكلاهما رجلا دين.
لن يصدق أحد أن شهر رمضان الكريم مختلف فى مصر سوى من حضره خارج هذا الوطن، ولا أكتب هنا من منطق «النرجسية» فى التعامل مع الدول الأخرى.. فالأمر مرتبط هنا بسلوك المجتمع بشكل مباشر، أعلم جيداً أن هناك بعض السلوكيات السلبية التى يحاول البعض ربطها بالشهر الكريم.. رغم كونها لا تمت للدين من قريب أو بعيد؛ ولكن فى الوقت نفسه تظل بعض العادات والتقاليد الموجودة التى تعبر عن الشخصية المصرية الحقيقية، إنها سلوكيات إنسانية.. يظهر الكثير منها خلال شهر رمضان، وأذكر هنا بعض العادات التى كانت هى الموجه الرئيسى لتكوينى الفكرى فى التعامل مع شهر رمضان الكريم، ومنها: الزيارات والمجاملات وحفلات الإفطار وأمسيات السحور.
أعتقد أننا نحتاج إلى أن تكون كافة شهور السنة على غرار شهر رمضان الكريم.. من حيث الجو العام الذى يرسم لمصر ملامح جميلة مختلفة.
نقطة ومن أول السطر..
إنه «رمضان».. المصرى.