«متعافون» يروون قصص التخلص من «الكيف» فى مراكز العلاج: «خسرنا كل اللى حيلتنا»
مراكز علاج المدمنين أصبحت «بيزنس»
رحلة صعبة ومعاناة كبيرة عاشها أصحابها لسنوات طويلة خسروا فيها كل ما يملكون بعدما وقعوا فريسة لـ«الكيف» الذى بدل حياتهم، فمنهم من تعرض للموت أكثر من مرة بعد تناول جرعة زائدة، وآخرون خسروا أسرهم بعد رفضهم تصرفاتهم الطائشة، حتى قرروا فتح صفحة جديدة لحياتهم والتعافى من ذلك الوحش الذى سكن أجسادهم، ليجدوا أنفسهم أمام أزمة أخرى تزيد من معاناتهم تتمثل فى ارتفاع تكاليف علاجهم داخل المراكز المتخصصة لعلاج الإدمان، التى تحول أغلبها إلى «بيزنس» يستغله صاحبها لتحقيق أعلى ربح مادى من المريض الذى لم يبق أمامه سوى الخضوع لطلباتهم التى تفوق أحياناً قدرتهم المادية أملاً فى الخلاص من كابوس الإدمان.
فى عامه الـ19، كان لـ«أحمد. ع»، رغبة فى تدخين سيجارة حشيش من باب الفضول وحب الاستطلاع، حيث طلب من صديقه توفيرها له أثناء سهرتهم الأسبوعية، ثم تطور الأمر إلى تناول العقاقير حتى اعتاد جسده عليها وأصبحت نتيجتها غير مرضية بالنسبة له، فاتجه إلى الحقن المخدرة وتعاطى «الهيروين» الذى جعله فى أوقات كثيرة يفقد وعيه: «لما كنت عيل صغير كان ليّا سلوكيات سيئة، كنت بميل فى المدرسة للصحاب المستهترين، وماكنتش بركز فى الدراسة وبحب أزوغ على طول، وفضلت أقرب منهم لحد ما وصلت للإدمان وحياتى اتدمرت»، يحكى «أحمد» أن حالته كانت تزداد سوءاً يوماً بعد الآخر، إذ اضطر فى بداية تعاطيه إلى بيع كل ما يملكه، ثم لجأ إلى سرقة أمه وشقيقه الأكبر لتوفير مبالغ مالية تمكنه من شراء حقنة مميتة أو جرعة هيروين، بحسب كلامه: «الدنيا اسودت فى عينى، ماكنش فيه حاجة غالية عندى، عملت كل حاجة ينفع تتعمل أو ما تنفعش، حتى شقة أمى استغليت سفرها وبعت كل حاجة فيها عشان أوفر تمن المخدر»، ورغم تصرفاته التى كانت لا تحتمل مع أسرته، على حد وصفه، إلا أن والدته كانت تشجعه باستمرار على التوقف عن التعاطى خوفاً عليه من الضياع، حتى قامت بالتقديم له فى أحد المراكز المخصصة لعلاج الإدمان، لكنه لم يستمر فيها سوى لمدة يومين بسبب تعب والدته وحجزها فى المستشفى: «طلبت منهم يكتبوا لى على الخروج من المركز عشان أشوفها بس مرجعتش تانى ليهم لأن ماكنش عندى إرادة وقتها»، وبعد تدهور حالة والدته الصحية، بدأ الشاب الثلاثينى فى الشعور بالندم لما فعله بها وبشقيقه الأكبر والتفكير فى التعافى من الإدمان الذى كان وراء كل أزمة تعرض لها خلال حياته، وبسؤال أحد زملائه الذى سبقه وتعافى نصحه بالذهاب إلى أحد مراكز علاج الإدمان بمنطقة حدائق القبة لرخص ثمن العلاج به: «صاحبى كان ليه تجارب مع أكتر من مركز، دفع نحو 100 ألف جنيه عشان يتعالج، وفى الآخر ما رتحش غير فى مركز جنبنا، وهو اللى شجعنى أروحه بعدما قال لى إن حياته فرقت بعد ما اتعالج، وده كان بالنسبة ليّا طوق النجاة من العذاب اللى كنت عايش فيه».
شاب: "والدى دفع 30 ألف جنيه لمركز كان تعامله يخلى الواحد يدمن أكتر".. و"محمد": أبويا اضطر يبيع جزء من دهب أمى
6 أشهر هى المدة التى احتاجها «أحمد» للتعافى نهائياً من الإدمان داخل المركز، أنفقت خلالها والدته مبالغ كبيرة بالنسبة لهم وصلت لـ30 ألف جنيه، وذلك بعد حصولهم على دعم من المركز نظراً لضيق حالهم، بحسب كلامه: «أمى ماكانتش تملك أى حاجة عشان تبيعها وتعالجنى، استلفت من كل اللى تعرفه عشان تدفع كل شهر تمن علاجى، ولما كانت ما بتقدرش عليه كان المركز بيعمل لنا دعم وياخد مبلغ أقل».
لم يكتف الشاب الثلاثينى الذى تخرج فى كلية السياحة والفنادق بالتعافى من الإدمان وإنما بمجرد خروجه من المركز حصل على كورسات توعية عن خطورة تناول المخدرات وتأثيرها على صحته الجسدية والنفسية منعاً للرجوع إليها مرة أخرى، على حد قوله: «بقالى 3 سنين ما شربتش حتى سيجارة عادية، وفخور باللى وصلت له، وبعد ما كنت بسرق فتحت محل والدى من تانى وبقيت بصرف على أهلى».
حياة عادية كان يعيشها «محمد. س»، 28 سنة، قبل دخوله كلية التجارة، حيث تعرف حينها على بعض أصدقاء السوء الذين كانوا السبب فى ضياع مستقبله، وفقاً لكلامه، إذ بدأت رحلة تعاطيه بتدخين سجائر حشيش ومنها للترامادول، ثم تطورت رحلة إدمانه للهيروين الذى اضطر بسببه لسرقة بعض الأموال من والده بعد رفضه زيادة مصروفه: «كان مصروفى وقتها 40 جنيه، ماكنتش بقدر أجيب بيه أى حاجة، طلبت من والدى فلوس زيادة بحجة المصاريف والدراسة زوده لـ60 جنيه، بس جرعة الهيروين كانت بتعدى الـ100 جنيه، فماكنش قدامى حل غير إنى أسرق»، استمر الشاب العشرينى على هذا الحال حتى اكتشف والده تغير تصرفاته وعصبيته بصفة مستمرة، وبعد إجراء تحليل له علم والده بتلك الصدمة: «طردنى وقتها من البيت وقال لى مش عايز أشوفك تانى أنا ابنى مات خلاص».
«محمد» الذى يعمل «كاشير» بأحد المحلات، لم يجد مكاناً يؤويه بعد طرد والده له سوى منزل جدته لأمه التى عاش معها لمدة 4 أشهر، لكنه خلال تلك المدة تناول جرعات زائدة من «الهيروين» تسببت فى تدهور حالته الصحية حتى أغمى عليه فى يوم ما أثناء سهره مع زملائه: «اتنقلت المستشفى وقتها وعرفت إنى جالى فيروس سى لأنى كنت بضرب حقن مكان زمايلى قبل كده»، وبمجرد خروجه من المستشفى عاد الشاب العشرينى إلى منزل أسرته طالباً منهم إيجاد حل لأزمته: «قلت لهم أنا عايز أخف وأرجع لحياتى الطبيعية لأنى كنت شايف إن مفيش حاجة تستاهل أضيع عليها حياتى ومستقبلى».
لم يتردد والد «محمد» فى الذهاب به إلى أحد المراكز الخاصة بمنطقة حدائق الأهرام أملاً فى تعافيه من الإدمان، لكن سوء معاملة الأخصائيين للمرضى بداخله دفعته إلى تركه بعد وجوده فيه لمدة 3 أسابيع، بجانب ارتفاع تكلفته، حيث طلب منهم صاحبه دفع 20 ألف جنيه لاستقباله داخل المركز، و10 آلاف جنيه شهرياً خلال مدة العلاج، على حد قوله: «المركز كان شكله نضيف، وده اللى شجع أبويا يدفع كل الفلوس اللى طلبوها، بس لما اتحجزت فيه اكتشفت إن معاملة الناس جوه تخلى الواحد يدمن أكتر، كنت لوحدى فى أوضة، ومافيش حد بتكلم معاه، تعبت نفسياً أكتر، ومارتحتش إلا لما خرجت، وبعدها عرفت إنه ماكنش مرخص واتقفل».
مواصفات أخرى بدأ يبحث عنها الشاب العشرينى ووالده فى أى مركز علاجى قبل إدخاله فيه، من بينها سمعة المكان ووجود ترخيص له، بالإضافة إلى وجود أطباء وأخصائيين نفسيين واجتماعيين داخل المركز بصفة مستمرة لمتابعة حالته خلال مدة علاجه التى دامت لمدة 6 أشهر تقريباً: «أبويا اضطر يبيع جزء من دهب أمى عشان يصرف على علاجى، كان كل شهر بيدفع نحو 6000 جنيه، ده غير مصاريفى، بس ماكانش بيشتكى، كان كل هدفه أرجع زى ما كنت، ودلوقتى كل ما بقدر أعوضهم بعمل ده من غير ما أتردد لأنهم وقفوا جنبى».