كاتب بريطاني: ترامب على طريق هتلر وموسوليني وأردوغان يؤسس للاستبداد
ترامب وأردوغان بمتحف "أورساي" في باريس في نوفمبر 2018 - أرشيفية
حاول الكاتب والمحلل السياسي البريطاني باتريك كوكبورن، الإجابة على أسئلة يثيرها معارضو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واستعرض الكاتب في صحيفة "إندبندنت" البريطانية بعض التساؤلات، منها هل ترامب فاشي؟
وقال الكاتب البريطاني إن ترامب ليس موسوليني أو هتلر، حتى هذه اللحظة، لكن سلوكه ليس بعيدا عن أسلوبهما في الحكم، فهو ينتمي لسلسلة من الزعماء القوميين الشعبويين الذين يتولون السلطة حاليا في جميع أنحاء العالم. ولكن هل يعلوا نجم نجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ظل رئاسة دونالد ترامب؟ وهل تتجه تركيا أكثر فأكثر نحو الاستبداد؟
وأوضح الكاتب أن اتهام ترامب بالفاشية غالبا ما يتم في إطار الإهانة وليس في شكل بحث جدي في الموضوع، فالرئيس الأمريكي ليس بنفس درجة الفاشية التي كان عليها هتلر، حيث كان هتلر أحد الأسس البشعة للفاشية، التي توجد اليوم بصور مختلفة، وأشار "كوكبورن" إلى أن الزعماء الفاشيين في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي كانوا متشابهين من نواحٍ كثيرة مع ترامب، لكن الرئيس الأمريكي لديهم صفات سيئة إضافية، فقد ولد في عصر مختلف وتجربة تاريخية مختلفة عن الولايات المتحدة.
وشرح الكاتب أهم ملامح الفاشية، التي تشمل القومية المتطرفة والسلطوية، وشيطنة واضطهاد الأقليات، وتقديس الزعيم؛ وانتهاج الخطاب الشعبوي "الخادع للجماهير"، والذي يهاجم من يسميهم بـ"الخونة" لصالح من يطلق عليهم "الجماهير التي لم يهتم بها أحد"، علاوة على ازدراء المؤسسات البرلمانية، وتجاهل القانون، والسيطرة على وسائل الإعلام وسحق المعارضة، وترديد شعارات تعد جموع الشعب بكل ما يتمنون، وتعزيز القوة كوسيلة للوصول إلى النهاية التي تمثل العنف والعسكرة والحرب.
وتابع الكاتب البريطاني أن ملامح الفاشية ربما تشمل سمات أقل أهمية مثل الإعجاب بالعروض العامة للقوة والشعبوية في التجمعات والمسيرات، وكذلك الإعجاب بمشروعات البناء العملاقة باعتبارها تجسيدًا فعليًا للقوة.
وأوضح الكاتب أن كلا من من هتلر وموسوليني قاما بتنفيذ جميع تلك السياسات بينما قام ترامب بتنفيذ معظمها، مع بعض الاستثناءات المهمة، فقد اتسمت الفاشية الألمانية والإيطالية قبل كل شيء بحروب عدوانية وكارثية في نهاية المطاف، لكن ترامب، على العكس من ذلك، يعد "انعزاليا" حقيقيا، فهو لم يبدأ حربًا واحدة منذ عامين ونصف العام في البيت الأبيض، وهو بهذا لا يتخلى عن قوته، لكنه يفضل أن تكون معركته تجارية واقتصادية أكثر منها عسكرية.
ذكر باتريك كوكبورن، في مقاله على "إندبندنت"، إن الرئيس الأمريكي يستخدم القوة ضد العديد من الدول من الصين إلى المكسيك وإيران بشكل استراتيجي، وهذا أمر ذكي، فقد نجح في تجنب المشكلات التي حدثت بسبب التدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، فالتدخلات العسكرية تضعف الدولة المستهدفة اقتصاديًا، لكنها لا ينتج عنها انتصارات حاسمة أو استسلام غير مشروط.
وقال الكاتب إن سياسة البيت الأبيض أكثر خطورة مما تبدو عليه، فقد لا يرغب ترامب في شن حرب، لكن الأمر نفسه لا ينطبق على مايك بومبو، وزير خارجيته، أو مستشاره للأمن القومي جون بولتون، وكذلك بعض حلفاء واشنطن، لكن كراهية ترامب للتدخل العسكري تجعله يستهجن هذه التأثيرات الأخرى.
السياسة الأمريكية تعتمد على تغريدات ترامب
وأوضح المحلل السياسي البريطاني الأمر الخاطئ هو اعتماد السياسة الأمريكية على تغريدات "ترامب" في موقع "تويتر"، لأن ذلك يعتبر نقطة الضعف، ليس فقط بالنسبة للزعماء الفاشيين بل لجميع الأنظمة الدكتاتورية، وهي اعتمادهم المبالغ فيه على قرارات فرد واحد يتمتع بثقة تشبه المخلوقات في الخالق، حيث لا يمكن اتخاذ قرار من دونه، وهو بالطبع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ووصف المحلل السياسي البريطاني أن ترامب يعمل وفقا لأساليب تطبق في التجارة والأعمال، بدلاً من الاعتماد على سياسات مستدامة، وبالتالي تتسم بالضحالة والتخبط، ونقل "كوكبورن" عن أحد السفراء الأجانب في واشنطن قوله إنه نجح في التعامل مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية، لكن هذا لم يكن مفيدا لأنهم لم يكن لديهم أي فكرة عما كان يحدث في البيت الأبيض، كما شبه الحكومة الأمريكية بحكومة ملك فرنسا لويس الرابع عشر، التي كانت لا تتخذ أي إجراء دون أمر مباشر منه.
وأكد أنه من الواضح أن ترامب لا يرغب في شن حرب في الشرق الأوسط، لكنه يمكن أن يخطئ بسهولة ويتورط بحماقة في حرب فعلية، ولا يعد ذلك سلوكا متفردا من جانبه، فالقادة القوميون الاستبداديون الشعبويون في كل مكان في العالم يربحون معاركهم ويحتفظون بالسلطة بطرق تشبه إلى حد بعيد أساليب الفاشيين في فترة ما بين الحربين العالميتين، وهنا نجد أن ما حدث خلال هذين العصرين منذ قرن تقريبًا، يمكن أن يفسر هذا المسار السياسي، فالمخاوف والكراهية التي ولدت في الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية والكساد العظيم دفع بالفاشيين نحو السلطة، وعندما تحطمت الرموز والمعتقدات القديمة وفقدت مصداقيتها، كان الناس يتطلعون إلى عقائد جديدة ومنقذين.
واستشهد "كوكبورن" بما كتبه المؤرخ البريطاني الكبير لويس ناميير في عام 1947: "كلما ازدادت الحالة المرضية للدولة، كلما قلت قيمة الصنم (الحاكم المستبد) فقد تكون قدميه من الطين وقد يكون وجهه دون ملامح، لكن جنون المصلين هو ما يعطي له أهمية وقوة ".
وتساءل الكاتب: "هل يحدث نفس الشيء مرة أخرى؟ فقد كانت الفاشية نتاج فترة كارثية في النصف الأول من القرن العشرين، لكن الأمور في يومنا هذا تعد مختلفة تمامًا، فقد فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها في الحروب في العراق وأفغانستان، لكن تلك الحروب لا تزال تعد صراعات صغيرة لا تقارن بالحرب العالمية الأولى، رغم تشابه الأزمة المالية العالمية عام 2008 بما حدث من أزمة اقتصادية خلال الثلاثينيات"، حيث طمأن العديد من الأثرياء انفسهم، واستخفوا بالأضرار التي يحدثها انحسار التصنيع، والتغير التكنولوجي الذي أثر على أعداد كبيرة من البشر في جميع أنحاء العالم، وزاد من عدم المساواة، وتوسعت الاقتصادات، لكن الأثرياء هم من جنوا الفوائد، ونالت مراكز العواصم والمدن الكبرى فوائد اقتصادية، ولكن ضواحيها لم تحقق شيئا، كما اختلف الفرق بين الفائزين والخاسرين بسبب الأزمة من بلد إلى آخر، لكن الحكومات في كل مكان قللت من شأن البؤس الناجم عن الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، كما قلل المنتفعون من الوضع الراهن من أهمية مراكز الصدع الاجتماعي التي يسارع الشعبيون إلى معرفتها واستغلالها.
كما استعرض الكاتب رفض فيليب هاموند، وزير الخزانة البريطاني، لما وصفه بادعاءات الأمم المتحدة بأن عددًا كبيرًا من البريطانيين يعيشون في فقر مدقع، وقال إنه هناك "حرمان"، والحكومة تعمل بفعالية لمعالجة المشكلة، وبالتالي فإن القادة الذين يشبهون ترامب، والذين ظهروا في جميع أنحاء العالم، لا يجب أن يفعلوا الكثير للقيام بعمل أفضل من هذا.
الحكم في تركيا نموذج لتأسيسي الاستبدادية وخداع الجماهير
ويرى الكاتب البريطاني ان هناك ثقة زائدة من جانب القوى التي غدت تنحسر عددا وتأثيرا، ففي أمريكا تبخرت أحلام الديمقراطيين الذين أقنعوا أنفسهم بأن "نهج ترامب" سوف يفقده مصداقيته ويشوه مواقفه، وذلك بسبب مؤامرة على الولايات المتحدة من جانب "الكرملين"، لكنهم لا يفهموا أن الأمر أسوأ من ذلك، فالواقع يدل أن القومية الاستبدادية الشعبوية، وهو ما أطلق عليها "ناميير" "الديمقراطية القيصرية"، ليست ظاهرة ثابتة، وقد لا تبدأ بتنفيذ كل السمات الفاشية التي ذكرناها، ولكن مسارها دائمًا يكون في الاتجاه الفاشي، حيث أصبحت الأنظمة أكثر قومية، واستبدادية، وخداعا للجماهير، وتحولت من عدم تحمل النقد أو المعارضة إلى إخمادها بالكامل، ومن أمثلة ذلك تركيا، حيث يقوم الرئيس رجب طيب أردوغان بتعزيز حكمه الفردي من خلال تغيير فوز المعارضة في الانتخابات الخاصة باختيار عمدة إسطنبول، وينكر الكثير من الأمريكيون أن العملية نفسها تحدث في الولايات المتحدة، ويلعبون دور الأشخاص الذين لم يصدقوا أن ترامب يمكن أن يفوز بالانتخابات الرئاسية.