من الجد «أنيس» إلى الحفيدة «رنا»: هكذا تغيرت تقاليد الزواج فى أسرة دمياطية
الحفيدة رنا مع زوجها
فى ستينات القرن الفائت، وتحديداً عام 1965، تزوج أنيس البياع، مدير جمعية الهلال الأحمر المصرى السابق، مدير الإدارة الاجتماعية بالشئون الاجتماعية بدمياط، فى كفر البطيخ، وسط حفل عائلى بسيط بالمنزل، وبعدها بـ22 عاماً تزوجت ابنته «غادة»، وأقامت حفل زفافها فى حديقة عامة بسيطة مجاورة لمنزلهم بدمياط، لكن بعد 33 سنة أخرى استضاف فندق كبير «خمس نجوم»، «فرح» حفيدته «رنا» الذى تكلف وحده عشرات الآلاف من الجنيهات. التغيرات التى طرأت على أماكن الأفراح الثلاثة، حدثت معها تغيرات كبرى أيضاً فى كثير من عادات وتقاليد الزواج بمصر، تزامناً مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكبيرة التى شهدتها البلاد طوال هذه المدة، والتى انعكست على كل شىء متعلق بالزواج، بداية من طريقة الاختيار، وحتى تأسيس المنزل، وطبيعة الأثاث، وكتابة «القايمة»، وما إلى ذلك.
ففى «كفر البطيخ» التى كانت قرية بسيطة، وقت أن تزوج الجد، وتحولت الآن إلى مدينة كبيرة، كان هناك سجل فى القرية اسمه سجل النقوط، حيث تُسجل فيه كل أسرة مع كل زيجة ما تدفعه من نقوط، وعندما يأتى الدور على هذه الأسرة لتزويج أحد أبنائها يستردون ما دفعوه، وإذا ما نقص يطالبون أهالى القرية به، باعتبار ذلك مورداً أساسياً لأبوالعروسة لسداد تكاليف الزواج وديونه، ولأن النجارين أو صناع الأثاث كانوا يعرفون أن هناك «نقطة» مقبلة، فقد كان من الممكن أن يتقاضوا جزءاً من أجرتهم، ويتقاضوا الباقى بعد الزواج، وهو ما حدث مع «البياع» الجد بالفعل قبل أن تتقلص هذه الظاهرة إلى حد كبير الآن، كما كان من المعتاد أيضاً أن يتم وضع «العفش» على عربات كارو، تلف البلد كلها قبل الفرح بيومين، فى استعراض أمام أهل البلدة. وبخلاف ما سبق، تحرر الجد الذى درس فى معهد الخدمة الاجتماعية، بحكم تعليمه وثقافته، من كثير من التقاليد الأخرى التى كانت مرتبطة بالزواج وقتها فى قريته، ومن بينها «كتابة القايمة»: «أنا شخصياً ما عملتش قايمة، لأنى اتجوزت بطريقة عصرية يعنى جواز عصرى شوية، لكن عادتنا كان فى قريتنا لا بد من كتابة قايمة، ويمضى عليها العريس»، أما فيما يتعلق بطريقة الاختيار فيقول: «حبيت واحدة زميلتى فى الدراسة وجهزنا نفسنا أنا وهى، واتجوزنا، فى شقة ملكى بكفر البطيخ، وبعد انتقالى للعمل فى المدينة، أجرنا شقة هناك وعشنا فيها»، وقتها أيضاً، كما يتذكر الجد، لم يكن هناك شىء اسمه «شهر العسل» بمفهومه الحالى، وكانت العروس تستقر فى بيتها، وبعد مرور أسبوع تتم إقامة حفلة صغيرة، أو عزومة لأهل العريس والعروس.
"الجد" أقام عُرسه فى البيت سنة 1965.. والابنة فى "حديقة عامة" 1987.. والحفيدة فى "فندق خمس نجوم" قبل سنتين
هنا تلتقط ابنته غادة البياع، أستاذة الاقتصاد بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، طرف الحديث، مشيرة بشكل عام إلى أن تقاليد وعادات الزواج تختلف حسب المكان، ما بين المناطق الحضرية والريفية، حتى بالنسبة لمن هم من ذوى الأصول الريفية فإنهم يختلفون عن الذين قضوا عمرهم كله بالمدينة.
لكنها تشير إلى أنه فى محافظة دمياط بشكل عام، كان دائماً هناك حالة مغالاة شديدة فى المظاهر والتكاليف المرتبطة بالزواج، وهو ما ترجعه إلى أن «المحافظة غنية وأهلها تجار، والمظاهر عندهم مسألة مهمة»، أما عن التفاصيل، فتشير «غادة» إلى أنه «كان هناك دائماً نظام فى تأسيس البيت، فى كل العصور، فالزوج كان مسئولاً عن أن يكون لديه شقة تمليك، حيث كان تأمين موضوع البيت مسألة مهمة جداً، وهو الأمر الذى حدث نوع من التساهل فيه الآن مع ارتفاع أسعار الشقق، وأصبح من الممكن أن يتم الزواج فى شقة إيجار». وبخصوص بتأسيس الشقة: «كانوا بيقسموها بحيث إن العروسة كان بيبقى عليها الأجهزة الكهربائية والمطبخ والمفروشات، علماً بأن الدمايطة يهتمون اهتماماً خاصاً بالديكورات والستائر والسجاجيد، وبعض القرى، مثل كفر البطيخ، كان بها مبالغة شديدة فى التجهيز، حيث كان لا بد على العروسة من تنجيد 7 مراتب، بتبعاتها من مخدات وألحفة، والغريب أنه كان لا بد أن تهدى حماتها أيضاً مرتبة أخرى ولحافاً بخلاف الـ7 مراتب والألحفة الأخرى». وبخلاف ما سبق كان العبء الأكبر يقع على الرجل فى بقية المسائل الأخرى، خاصة «الموبيليا». والموبيليا فى بلد نسبة كبيرة من أهله «نجارين»، كان لا بد أن يكون لها مواصفات معينة، كما توضح «غادة»: «كانت بتبقى ضخمة ولازم يبقى فيها شغل «أويما»، وكان بيبقى فيه منافسة بينهم فى شغل الخشب».
"أنيس" قضى "شهر العسل" فى منزله بـ"كفر البطيخ".. و"غادة" فى "المنصورة".. و"رنا" سافرت مع زوجها "اليونان"
«حتى فى بيوت قرى دمياط، التى كانت أرضياتها من الطين، وليس البلاط، كانت هناك صالونات مذهبة، وفى هذه الحالة كانوا يضعون أكياس بلاستيك فى أرجل الأنتريه، عشان كان بيغرس فى الأرض، بما يعنى أن الموبيليا أهم من أى حاجة عندهم».
ووقت أن تزوجت «غادة» أيضاً، كانت الشبكة لا بد أن تكون من الذهب، وألا تقل عن عدد جرامات معينة، أما بالنسبة للأجيال الجديدة، فيمكن أن يحل الألماظ مكان الذهب، وفيما يخص «القايمة» فكانت أمراً لا بد منه، وكلما كانت قيمتها مرتفعة كان معنى ذلك أن «العروسة غالية وليها قيمة كبيرة».
الأفراح أيضاً والزفة أصبح لها مكانة مهمة ومتميزة فى بلد أبدع «الزفة الدمياطى» التى انتشرت بعد ذلك إلى المحافظات الأخرى، وكانت هناك فرق مشهورة مثل «فرقة محفوظ» و«فرقة النوبة»، وكان لا بد بالنسبة لذوى الأصول الريفية أن يقيموا فرحاً فى المدينة وآخر فى القرية، حتى لو كانوا يعيشون أساساً فى المدينة، وكانوا يعلقون لافتات فى القرية لدعوة الناس للفرح «عشان ينقطوا»، باعتبار أن جزءاً كبيراً من النقوط «هو اللى بيغطى تكاليف الجواز».
النجارون فى الستينات تقاضوا أجرهم من "النقوط".. والحفيدة وزوجها "اشتروا كل حاجة بالنص"
تتوسع الابنة فى استعادة عادات وتقاليد الزواج أيامها، مقارنة بما حدث بعد ذلك، مؤكدة أن أيام زواجها لم تكن قد ظهرت «بوفيهات الأكل» التى شاعت فى أفراح الفنادق والقاعات الآن، وكان المقتدرون فقط فى القرى يؤجرون طباخاً لإعداد الطعام نهاراً.
وكما فعل والدها، لم تسر «غادة» على نفس التقاليد التى كانت سائدة وقتها، حيث تؤكد أنها وزوجها كانا يفكران بـ«طريقة غير تقليدية» أيضاً، «واللى كان بيقدر على حاجة كان بيعملها، على عكس بقية الدمايطة اللى ما كانوش ينفع يتجوزوا إلا لما تكون كل حاجة موجودة، حتى لو مش هيستعملوها طول عمرهم»، على حد قولها.
ومن «غادة» إلى ابنتها «رنا» التى تخرجت فى الجامعة الأمريكية، تواصلت مظاهر التغير، وأصبحت العلاقات وطريقة الاختيار أكثر انفتاحاً، حيث تحكى الحفيدة أن زوجها، أحمد، هو أساساً شقيق صديقة لها، وتعرفت عليه من خلال ذلك، وظلا أصدقاء لفترة قبل أن يتزوجا. تقول «رنا»: «فضلنا متصاحبين شوية، وبعد سنة تقريباً أهله جم قعدوا مع أهلى، وعملنا خطوبة فى البيت لأن بعدها كان المفروض هنعمل فرح كبير فى فندق، وقعدنا مخطوبين سنتين، واتجوزنا فى 2016».
تتوسع «رنا» فى استعادة تفاصيل رحلة الإعداد لزواجها، مشيرة إلى أن زوجها «كان عنده شقة وما كانتش متشطبة، وهو اللى شطبها لكن على ذوقى أنا، وكنا بننزل مع بعض ننقى الباركيه والمطبخ والحمامات، وطبعاً تراجعت المواصفات الصارمة لـ«الموبيليا» الدمياطية والأنتريهات المدهبة، لصالح «الأثاث المودرن».
وتماشياً مع تصاعد دعوات المساواة بين الرجل والمرأة، فيما يبدو، اتفق أهل رنا مع أهل أحمد، على تقاسم تكاليف الزواج «كل حاجة بالنص»، مع بعض الاستثناءات «المعروف إن البنت بتجيبها وإن الولد بيجيبها»، مثل حاجة المطبخ والصينى والملايات، بالنسبة للعروسة، والأجهزة الكهربائية بالنسبة للعريس، حتى الفرح الذى تمت إقامته فى فندق خمس نجوم كانت تكاليفه مناصفة أيضاً.
وفى حين لم يكن «شهر العسل» معروفاً بالاسم للجد وقت زواجه عام 1965، واكتفى بقضاء الأيام الأولى من زواجه فى شقته بكفر البطيخ، سافرت رنا وزوجها إلى اليونان لقضاء «شهر العسل» هناك، حيث زارا العاصمة «أثينا» وتجولا فى أكثر من جزيرة هناك، مستغلين «فلوس النقوط» بعد أن زادوا عليها طبعاً.