مع قدوم البابا تواضروس، لاحت فى الأفق مؤشرات إيجابية تفتح الطريق أمام تكامل منشود طرق أبوابه التيار العلمانى القبطى قبلاً على صفحات مجلة مدارس الأحد (1992-1994) التى ترأس تحريرها البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث حين كان فى صفوف العلمانيين (1948-1954) وانطلق منها إلى الرهبنة ليشق طريقه إلى الكرسى البابوى مع الرعيل الأول من شباب الكنيسة المثقف يحدوهم أمل بعث الكنيسة من رقادها، بعد تجربتين لم تكتملا، واحدة لمجموعة مدارس الأحد بالدفع بمؤسسها حبيب جرجس للرسامة مطراناً للجيزة والقليوبية (1949) ولم تتحقق، والثانية لجماعة الأمة القبطية بمواجهة حادة سارت فى اتجاهين داخل وخارج الكنيسة (1952-1954) ولم يُكتب لها النجاح.
وعبر أربعة مؤتمرات سنوية للتيار، طرحت الإشكاليات الكنسية عبر أوراق بحثية تُرجمت إلى رؤى موثقة قدمناها مجدداً للبابا تواضروس وكانت محل اهتمامه، وكان منها إشكالية لائحة اختيار البابا البطريرك، وفى خطوة إيجابية ينعقد مجمع الأساقفة ليتدارس تعديلها وينتهى إلى إصدار لائحة جديدة توطئة لرفعها لرئيس الجمهورية للتصديق عليها واعتمادها.
وفى قراءة أولية لها نجدها عالجت، إلى حد كبير، العديد من عوار لائحة 57، محل الجدل، لكنها لم تنجح فى تخطى عقبتين كبيرتين ربما بسبب تباين المواقف داخل المجمع لأسباب مختلفة.
وقد جاءت مواصفات المرشح للكرسى البابوى أكثر تدقيقاً وانضباطاً ومسايرة لطبيعة العصر، حين نصت على توافر مستوى ثقافى وعلمى أكاديمى فيه، وتفاعله ووعيه العلمى بمعطيات التقنيات المعرفية الحديثة، لتحقيق التواصل مع الأجيال الجديدة من الشباب.
وأكدت وجوبية توافر الخبرة العملية بما لا يقل عن عشر سنوات فى الخدمة الكنسية، وأغلقت الباب، حين منعت ترشح من سبق خوضهم للانتخابات البابوية السابقة، أمام ما يمكن أن يثور من صراعات محتملة للمرشحين السابقين على أمل تجديد المحاولة، وما يحمله ذلك من تداعيات فى الدائرة القريبة من البابا، وهو ما نشهد طيفاً منه.
ويبدو أن خبرات الانتخابات الأخيرة قد ألقت بظلالها على اللائحة فامتد شرط السيرة الحسنة من المرشح إلى عائلته، لتجنب الكنيسة تحمل اختلالات غياب هذا التدقيق.
ونجحت اللائحة فى الجمع بين توسيع قاعدة الناخبين وعدم تحويل انتخابات البابا إلى انتخابات عامة تغرق فى تلافيف التأثير على الناخبين، وارتقت بمستوى الناخب الفكرى والثقافى وضمنت تمثيل المرأة والشباب، وضمت نوعيات جادة بحكم وظيفتها لا يمكن التأثير عليها بسهولة وحصرت الاختيار على قمة هذه النوعيات، وأعادت الاعتبار للعلمانيين (المدنيين من غير رجال الدين) فى الإيبارشيات بالتساوى مع الأكليروس (رجال الدين).
على أن اللائحة لم تنجح فى حسم إشكالية حق أسقف الإيبارشية فى الترشح، فسمحت به وفق شروط دقيقة، لكنها غير متسقة مع القواعد الكنسية، ويعد التفافاً على مفهوم المنع بقراءات مبتسرة؛ فالبطريرك هو أسقف مدينة الإسكندرية ومن ثم يصير وفق القوانين المسكونية (التى صدرت عن المؤتمرات الكنسية فى الكنيسة الأولى) بطريركاً وبابا للكنيسة، ولا يجوز اختياره من الأساقفة لامتناع نقلهم من موقعهم لموقع البابا، ولا يمكن التعاطى مع هذا الأمر على أنه ترقية لموقع أعلى.
ولم تستطع أن تواجه ما استقر فى الذهنية الشعبية فيما يتعلق بالقرعة الهيكلية التى كان من المتوجب إلغاؤها، لمخالفتها قاعدة «من حق الشعب أن يختار راعيه»، ولإهدارها فلسفة الانتخاب.
يبقى أن الأمر يحتاج لمراجعة تحفظ للكنيسة التزامها بقوانينها أو إعادة فحص تلك القوانين وغيرها بشجاعة وشفافية لغد أفضل.