حياة صعبة مرت الدقيقة فيها دهراً كاملاً، واجه كثيرون بها أنواع شتى من المصاعب بمفرده، ربما كان أيسرها برودة ليلة شتاء قارسة لا دفئ فيها، ونظرات المجتمع التي تخترق أجسادهم كالسهام، أسعد أوقاتهم حينما يحنو عليهم أحد المارة بوجبة طعام شهية أو يعطي لهم مالا، وبين هذا وذاك مرت سنوات طويلة من أعمارهم حتى أحدث الله أمرا، وبدل العسر يسرا وألف بين قلوبهم.
المشهد السابق وصفا مختصرا لمعاناة حياة الشارع التي قضاها ثلاثة شباب "أحمد وحمدي ومنة" قبل انضمامهم إلى قائمة النزلاء في مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان" لإيواء وإنقاذ المشردين بلا مأوى.. مرت سنوات عدة تغيرت فيها ملامح يومهم عن الوصف السابق ويستعد كل منهم لحفل زفافه، غدا، وسط أصدقائهم من فروع الدار المختلفة.
يقول محمود وحيد، مدير المؤسسة وصاحب الفكرة، إن لكل منهم قصته ومعاناته الخاصة، وتعارفوا جميعاً من خلال الرحلات الجماعية التي يتم تنظيمها للنزلاء، إلى جانب قرب مقرات فروع الدار من بعضها البعض.
قصص حب نشأت من رحم المعاناة جمعت نزلاء الدار ببعضهم البعض، الفتاة الثلاثينية "منة" إحدى نزيلات دار السيدات قبل 7 سنوات، تستعد لزفافها على "حمدي"، تعاني من ضمور في الأعصاب يمنعها عن الحركة تماما، وحسب وصف وحيد مدير الدار لـ"الوطن"، فهي تتحرك زحفاً وتجلس على كرسي متحرك، وتلك المصاعب لم تمنع "حمدي" أحد نزلاء فرع الدقي ويعمل إداريا في مؤسسة "معانا" عن حبها، وأصر على الزواج منها بعد أن أصبح قادراً على الإنفاق على بيت وأسرة.
قصة "حمدي ومنة" لم تختلف كثيرا في صعوبتها وحلاوة الجبر، عن قصة الثنائي "أحمد وانتصار"، فالأول هو نزيل بدار الهرم، أما "انتصار" ليست من نزلاء الدار وتعرف عليها من الخارج بحكم طبيعة عمله كبائع في مشروعه الصغير، "فتحنا ليه سوبر ماركت صغير وبقى قادر يصرف على نفسه، واتعرف عليها وحبها"، حسب وحيد.
قناعة تامة تسكن نفس العروس الثلاثينية "انتصار" التي تستعد هي الأخرى لزفافها على "أحمد"، لم تر فيه عيبا من الارتباط بنزيل بأحد دور الإيواء، تفهمت ظروفه الصعبة وساعدته على مهنته الجديدة بعد أن ترك العمل في توصيل الخدمات والطلبات، بعد تعرضه لحادث كبير كاد أن يتسبب في بتر قدمه، وحسب وصف مدير مؤسسة الإيواء: "كلهم راضيين بظروف بعضهم وبيساعدوا بعض على الحياة".
ويستعد الشباب الأربعة لحضور حفل زفافهم الجماعي، غدا، بدار الإشارة بحي مدينة نصر، بحضور نزلاء المؤسسة جميعاً بمساعدة المتبرعين وفاعلي الخير، وذلك بعد ليلة الحنة التي تمت لهم أمس، لإسعادهم ومشاركتهم فرحتهم، "أجرنا ليهم بيوت وفرشناها، قصصهم بتلخص معنى إن بعد العسر يسر"، حسب تعبير مدير المؤسسة.
تعليقات الفيسبوك