م الآخر| الاقتصاد.. وأثر الفراخ البيضا على خصوبة الرجال
واضح أن هذا البلد المسكين ما زال يدار بنظام القطعة، وكأن سكانه يجلسون على مقهى كبير والحكومات المؤقتة كانت بتخدّم عليه، والمصيبة إنها كانت بتخدم عليه غلط، والجديد بقى إنها كانت بتطبطب عليه، وبرضه بتطبطب غلط وعندك واحد مطالب فئوية وصلحووووو.
لقد أصبحنا نرى الكثير من سكان هذا البلد المسكين يتعاملون بمبدأ (إن وقع بيت أبوك إلحق لك منه قالب)، ولما لا فكل الحكومات المؤقتة التي تشكّلت استجابت لمطالب كل من ارتفع صوته وأضرب واعتصم وعطل الأعمال والأحوال، أو حتى من مر بجوار سور وزارة المالية أو نام على رصيف مجلس الوزراء، فمكّنتهم هذه الحكومات من الإجهاز على جسد الأمة الهزيل، وللأسف ظنّت هذه الحكومات أنها قد أعادت إليهم الحقوق، وأنها حققت العدل بين الرعية.
واستمراراً لهذا المسلسل الذي لا يبدو أنه سينتهي قريباً، وعلى طريقة من سبقوه، انبرى الوزير المستقيل كمال أبو عيطة، وتحمل مسؤولية التصدي لمشكلة عمال غزل المحلة الأخيرة بشهامة وبنية حسنة ، ووعدهم بتنفيذ مطالبهم والتى كان من أبرزها أن يحصلوا على الحد الأدنى للأجور، ولكن للآسف نسى الوزير الهمام الذى يشعرنى دائماً أنه (واحد مننا) أن الدول لا يمكن أن تدار بالنوايا الحسنة أو (بقعدة عرب) ، أو بالسطو على صلاحيات وزير غيره فى نفس الحكومة وهو الدكتور وزير الاستثمار، فبعد موافقته على تلبية مطالب عمال المحلة ، خرجت علينا فئات جديدة تطالب بنفس المطالب ، وادفعى يا بلد وارتفعى يا أسعار ، وزيد يا تضخم.
وبغض النظر عن استحقاق هؤلاء العمال لهذه المطالب من عدمه، إلا أننى حتى الآن لم أجد رجلا رشيداً تشغله الخسائر اليومية التى تتحملها الدولة من جراء الاعتصامات والإضرابات المتكررة، ولم أجد نفس الرجل الرشيد الذى يشغله عدم الاستقرار نتيجة للقرارات التى تتخذ دون ضوابط واضحة ولصالح فئة دون غيرها، ولم أجد نفس الرجل الرشيد الذى يسأل عن أحقية الحكومات المؤقتة فى توزيع أموال الشعب على فئة محددة من هذا الشعب، والنتيجة بقاء الوضع على ما هو عليه ، بل يزداد تفاقماً وبالتالى ومن المؤكد أن هذا الإضرابات ستتكرر قريبا، ولكن هذه المرة ستكون من أصحاب التكاتك، وأصحاب عربات البطاطا.
إن هذه الحلول (اللى بالقطعة) تعد جرماً ترتكبه الحكومات المؤقتة في حق الدولة وفى حق المواطنين الذين لم يعتصموا وذلك عندما تقوم هذه الحكومات بتوزيع موارد الدولة بهذه السهولة على كل من اعتصم وأضرب دون أن تربط هذه العطايا بتأدية العمل وزيادة الإنتاج.. ، وكان لزاما عليها أن تعلن وبكل جرأة ومن البداية عن عدم قبولها لأية مطالب فئوية قبل دراسة أوضاع كل الفئات ليتحقق مبدأ العدالة الاجتماعية التى نادت به الثورة.
لذلك فإن أقل ما توصف به هذه الأفعال أنها إهدار للمال العام، ولابد أن توقف الحكومة القادمة هذه العطايا وكفى ما وزعته الحكومات السابقة على كل من ارتفع صوته ، والذى لم يحسن مستوى معيشتهم ، بل بالعكس فقد كان أثر المليارات التى وزعت على المضربين والمعتصمين مثل أثر قرص الأسبرين المنتهى الصلاحية على المغص الكلوى ، أما أثر نفس المليارات على اقتصاد البلد فكان للأسف مثل أثر الفراخ البيضا التى قضت على خصوبة الرجال.