مدينة طابا فى الذكرى الـ25 لاستعادتها: فوضى.. إهمال.. وإرهاب لا يرحم
على بعد 250 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ تقع مدينة طابا الحدودية، الوصول إليها يتطلب استخدام سيارة خاصة تشق طريقها عبر طريق أسفلتى تتحرك عليه السيارات فى الاتجاهين، محصور بين جبال شاهقة الارتفاع، بعد مرور ساعة تخبرك لافتة مرورية بوصولك إلى مدينة «دهب»، نصف ساعة أخرى من السير تلمح ببصرك ميناء وبنايات مدينة نويبع، تحذرك لافتات إرشادية على يمين الطريق بدخولك منحدرات شديدة الخطورة، بعد عبورها يعانى قائد السيارة من طبقة «السن» التى تكسو أجزاء من الطريق وكذلك التشققات الأسفلتية، التى تظهر على الطريق بين الحين والآخر.
تتمدد طابا، آخر مدينة على حدود مصر الشرقية، على مساحة 10 كيلومترات بمحاذاة شاطئ البحر، يشطرها امتداد الطريق الرئيسى إلى نصفين، ترقد على جانبيه البنايات السياحية، التى تتنوع ما بين قرى وفنادق، وغيرها من المنشآت الأخرى الخدمية والسكانية قليلة العدد.
مع غروب الشمس حيث تتوارى أشعتها خلف أستار السماء الرمادية، يستمتع رواد القرى والفنادق السياحية بالسير على شاطئ البحر، بينما الهدوء يغمر المدينة الصغيرة، التى تخلو شوارعها ذات الوجود الأمنى المكثف من المارة، باستثناء نفر من العاملين فيها، والباصات السياحية العابرة لطريقها الوحيد، تلك التى تمر على فترات متباعدة، يتخللها مرور سيارة ملاكى أو اثنتين، يملكها سكان المكان من البدو أو أحد الغرباء المترددين على المدينة.
الحادث الإرهابى الأخير الذى وقع فى نهاية شهر فبراير الماضى يلقى بظلاله على المدينة الحدودية، يمتد تأثيره إلى القطاع الاقتصادى فى الذكرى الخامسة والعشرين لتحرير طابا، فالفنادق السياحية خاوية على عروشها من روادها، باستثناء قلة من رواد المكان يختلف عددهم من مكان إلى آخر، لكنهم لا يشغلون أكثر من 20% فى أفضل الأحوال، حسب عاملين فى تلك الفنادق.[FirstQuote]
فى قرية صلاح الدين السياحية، التى تقع فى مواجهة مبنى القلعة الأثرى الذى يحمل اسم القائد العربى القديم، بمدخل مدينة طابا، يقول الشاب العشرينى أحمد وحيد، الذى يعمل فى السياحة من خمس سنوات، ما بين طابا وشرم الشيخ: «الفندق يوجد به أكثر من 70 شاليه تخلو جميعها من النزلاء، بخلاف ثلاث غرف روادها يوجدون فى طابا بحكم طبيعة عملهم وليس بهدف السياحة»، موضحاً أن إشغال هذه النوعية من رواد الفندق لا يتجاوز ليلة أو اثنتين. يشخص الشاب المقبل من مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية ببصره فى محيط المكان، الذى وصفه بأنه «يصفِّر»، فى إشارة لخلوه من النزلاء، قائلاً: «كل ما الأمور تبدأ تتعدل نفاجأ بمصيبة جديدة، ومش عارفين آخرتها هتكون إيه».
من جانب آخر، يعد فندق هيلتون طابا الذى يقع على بعد أمتار قليلة من المنفذ الحدودى، أفضل حالاً من غيره، حيث يشغل النزلاء 20% من غرف الفندق، كما يقول أحد العاملين الذى رفض ذكر اسمه، لكنه يؤكد أن «وقف الحال اللى احنا فيه كانت بدايته منذ الاضطرابات السياسية التى لم تهدأ منذ أحداث ثورة 25 يناير»، رغم أن المدينة لم تشهد أى أعمال إرهابية منذ الحادث الإرهابى الذى وقع فى أواخر عام 2004، حسبما يقول العامل.
«إحنا هنبيع العربية اللى كنا شاريينها بـ220 ألف جنيه بـ170 ألف، عندك حد يشترى؟».. كلمات وجهها إبراهيم سالم، سائق سيارة ميكروباص سياحية، بموقف السيارات الراقد على يمين منفذ طابا، إلى سائق آخر يدعى «مسعود»، أثناء جلوسهما على المقهى الموجود فى نهاية الموقف، يسأله الأخير: «هى موديل كام؟»، يجيب سالم: «موديل 2010»، يتدخل فى الحوار شخص ثالث يجلس على المقهى: «إنت عايز تبيعها ليه يا إبراهيم؟»، يرد: «عليها أقساط مش عارف أسدها، والحال واقف زى ما انت شايف».
موقف مدينة طابا يعمل داخله أكثر من 100 سيارة ميكروباص تنقل السياح العابرين بجنسياتهم المختلفة من إسرائيل إلى مدينة شرم الشيخ أو نويبع أو دهب أو القاهرة أو الغردقة، كما يروى الشيخ ناصر، سائق بالموقف. يضيف قائلاً: «الدنيا كانت واقفة لوحدها قبل الحادث الأخير، لكن كان فيه توافد بسيط من السائحين، ولكن زيارة وزير الداخلية إلى طابا بعد الحادث الإرهابى الأخير كانت كفيلة بإعادة الاطمئنان إلى بعض السائحين، وبدأت حركة المرور من المعبر تعود إلى طبيعتها قبل الحادث الأخير، ونتمنى أن تعود فى الأيام المقبلة إلى ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير».
«عربيات الموقف السياحى بتنقل القادم من داخل إسرائيل إلى أى مكان يريده، مقابل أجرة تتراوح ما بين 5 دولارات و100 دولار، تحدد حسب المكان الذى يريد الذهاب إليه سواء كان فى القاهرة أو هنا فى البحر الأحمر»، يقول السائق الأربعينى الشيخ ناصر، مضيفاً: «السائق اللى بينقل سائح أو فوج واحد بيحمد ربنا، أهو أحسن من الوقفة فى الموقف، واننا نروح بيوتنا بدون فلوس خالص، بعد ساعات الانتظار اللى بنقضيها داخل الموقف دون عمل»، يواصل ناصر: «معظم العابرين للمنفذ الآن يأتون فى أفواج سياحية إلى طابا فقط، لا ينتقلون إلى شرم الشيخ أو غيرها، كما كان يحدث قبل الثورة».
على مدخل الموقف يقف خالد أبوحمد، 38 عاماً، سائق آخر، يصوب بصره تجاه المنفذ، لعله يلمح شخصاً يعبر الحدود، لكنه سرعان ما يخفض بصره، فحركة الدخول من إسرائيل إلى مصر شبه متوقفة تماماً، على عكس حركة العبور إلى إسرائيل، يقول خالد أبوحمد: «أنا مش عارف الواد اللى فجر نفسه ده وصل لحد هنا إزاى، إحنا كنا بنحمد ربنا إن الدنيا أمان هنا غير شمال سيناء».[SecondImage]
عربى الشواف، سائق ثالث، داخل الموقف، يتحدث عن نوعية زبائنه التى ينقلها بسيارته: «المصريين اللى بييجوا من إسرائيل عددهم محدود جداً، لكن غالبية الناس اللى كانت بتعدى الحدود بيكونوا إسرائيليين أو من جنسيات أخرى».
منفذ طابا الذى يعمل على مدار 24 ساعة يومياً، يشهد نشاطاً ملحوظاً فى حركة الدخول والخروج، وفقاً لأحد العاملين فى أيام العطلات الرئيسية والأعياد والمناسبات السنوية، حيث تتوافد أفواج السياح من داخل مصر أو إليها فى أوتوبيسات سياحية على منفذ طابا للعبور إلى إسرائيل وسط حراسة أمنية مشددة، فمع كل فوج مقبل إلى المدينة الحدودية سيارة «بوكس» تسير خلفه، تحمل 4 أفراد مسلحين بالآلى داخل صندوقها الخلفى بقيادة ضابط يجلس داخل كابينة السيارة.
وعن السياح الذين يأتون إلى طابا الآن، يقول ريمون سعد، مرشد سياحى مصرى، ينتظر داخل باص سياحى وصول الفوج الذى يرافقه من داخل إسرائيل للذهاب إلى سانت كاترين، ومنها إلى القاهرة: «الأفواج اللى بتيجى طابا بتكون تبع شركات عالمية تنظم لها رحلات دولية فى أكثر من جولة»، يصمت «ريمون» قليلاً ثم يتابع: «مستنى فوج يضم ألمان وكوريين بدأت رحلتهم من إسرائيل ثم مصر، التى يخططون أن يقضوا فيها 5 أيام، ومنها يسافرون إلى تركيا لمدة 4 أيام أخرى، ثم يعودون لبلدهم»، تتنوع جنسيات السياح القادمين من إسرائيل والعائدين إليها، وفقاً لـ«ريمون»، ما بين الألمان والروس والكوريين والطليان والنرويجيين والإسرائيليين وغيرهم.