تربويون: توحيد المناهج الموجهة للأطفال بـ"دور الحضانة".. والاستعانة بالمتخصصين
عنتر عبدالعال
جدران مرسوم عليها صور كرتونية، ألعاب مختلفة تناسب كل طفل، وجبات غذائية، معلمات يملكن من الخبرة والحكمة فى التعامل واتخاذ القرار قسطاً وفيراً، فنون مسرحية وشعر وغناء، كلها تكتمل لتنتج بيئة حاضنة للطفل تحتويه عقب خروجه من المنزل وترك والديه، تغرس فيه قيماً وسلوكيات حميدة، تعلمه وتربيه، تشغل يومه بكل ما هو مفيد، تكتمل هذه الأهداف التى رواها تربويون لـ«الوطن»، لتكون الحضانة الفعلية للطفل، موضحين أن الحضانات فى الوقت الحالى تفتقد لآليات التواصل مع مؤسسات المجتمع المدنى، مشددين على ضرورة وجود فلسفة واضحة يتم على أساسها توحيد المناهج التى يتم تدريسها للأطفال.
عرفها الدكتور يحيى هاشم، أستاذ علم الاجتماع، خبير شئون الحماية الاجتماعية، أنها تعد أول بيئة خارجية تؤثر فى الطفل عقب خروجه من بيته مباشرة، وهى بداية تشكيل وجدانه وغرس القيم والأخلاق، ويدرك الطفل من خلالها كيفية التعامل مع الآخرين، والصواب والخطأ، والأمانة، موضحاً أنها ليست مجرد شقة أو مكان يجتمع فيه الأطفال.
"يحيى": عدم قيامها بدورها أدى لتفاقم المشكلات الأخلاقية
غالبية المشكلات التى يعانى منها المجتمع المصرى فى الوقت الحالى، سواء من تدنٍ فى السلوكيات والأخلاق، أو عزوف الطفل عن المدرسة، سببها عدم قيام الحضانات بدورها المنوطة به، فهى مازالت تحتاج لبذل المزيد من الجهد تجاه الأطفال، بحسب «هاشم»، مؤكداً أنه لا بد من وجود معايير واضحة للجودة خاصة بإنشاء كل حضانة، بجانب القوانين المنظمة لها، لكونها تؤثر فى تشكيل وجدان الطفل فى بداية مرحلته العمرية.
وجود تربويين تخرجوا فى كليات رياض الأطفال يدركون جيداً كيفية إكساب الأطفال للقيم، يهتمون بوضع تقييمات دائمة للأطفال، وطرحها على الأسرة والعمل على جذب الطفل للحضانة من خلال الأنشطة الرياضية والترفيهية، بجانب اكتشاف مهارات الأطفال، وإبداعاتهم، وميولهم لأنشطة بعينها وعزوفهم عن أخرى، ووفق كل ذلك تكون الحضانة بيئة آمنة للأطفال، كما يرى «يحيى»، موضحاً لـ«الوطن»، أن المكان لا بد أن يكون له معايير أساسية كجزء خاص بالأنشطة داخل الفصول، وجزء آخر للأنشطة من خارج الفصول لغرس صورة المدرسة المتكونة من معلم وفناء وأصدقاء، فى الطفل منذ الصغر.
شدد أستاذ علم الاجتماع على ضرورة استخدام ألوان آمنة كالشمع، فى مختلف الأنشطة حتى لا يصاب الأطفال بأعراض مزمنة، ومتابعة ذلك من الجهات المختصة، وتفعيل أنشطة ذهنية من خلال أفلام الكرتون، ورواية القصص: «ولو أمكن المعلمة تلعب معاهم عشان تغرس فيهم قيمة معينة فى طريقة اللعب».
"الحديدى": بعض دور الحضانة تعمل فى جزر منعزلة وتفتقد لإشراف الحكومة
ترى الدكتورة شيماء الحديدى، مدرس المناهج وتعليم العلوم بجامعة الإسكندرية، أن الحضانات فى الوقت الحالى، يقتصر دورها على التعليم فقط، فلا يوجد أى تواصل مع أى جهات معنية فى المجتمع المدنى، ولا تهتم بعقد ندوات أو ورش عمل، موضحة أنها تعمل فى جزر منعزلة، وأسعارها «مبالغ فيها» لا تتناسب مع مستوى الخدمة التى تقدمها للأطفال.
فقدان الإشراف التعليمى من قبل وزارة التربية والتعليم على الحضانات، يمثل خطورة على جيل النشء، بحسب «شيماء»، مؤكدة: «الحضانات الخاصة مفيش حد يشرف عليهم يقول لهم بتعلموا للأطفال إيه، كل حضانة تدرس منهج على كيفها ويحددوا المناهج وفقاً لرؤيتهم ووجهة نظرهم، ولا توجد أى جهة رسمية تتابع سير العملية التعليمية فيها»، لافتة إلى أن الأطفال يختلفون فى مستوياتهم بسبب اختلاف ثقافة كل حضانة ومستوى تعليمها.
نشاطات مكثفة يتم تكليف الطفل بها يومياً فى بعض الحضانات، فتقول «الحديدى»: «أوقات تبالغ الحضانات فى الضغط على الأطفال وتكليفهم بالعديد من الأنشطة والواجبات»، مشيرة إلى أن المرحلة الأولى من التعليم يجب أن تعتمد على الحواس، والتعلم من خلال الخبرات الحسية وإدراك العالم المحيط، وليس التعليم بالورقة والقلم، فضلاً عن التركيز على مهارات التفاعل الاجتماعى من خلال اشتراك الطفل فى مجموعات.
"عبدالعال": أصبحت مهنة من لا مهنة له ولا يوجد نظام واضح للتعيين
وصف الدكتور عنتر عبدالعال، أستاذ التربية بجامعة سوهاج، مناهج الحضانات بـ«العبء الثقيل»، مؤكداً ضرورة صياغة فلسفة واضحة دون عشوائية لمناهج الحضانات تؤكد توحيد آليات التربية والتعليم، بإشراف الوزارة، وتركز على الجوانب النفسية والاجتماعية والمهارات الحياتية، كالتواصل مع الآخرين، والأخلاقيات أكثر من الاهتمام بالجوانب العلمية، إضافة إلى التركيز على الجوانب الوطنية والهوية المصرية التى يجب غرسها فى النشء من خلال تعريف معنى الوطن والاحتواء والبلد.
وأكد «عبدالعال» أن الحضانات فى مصر لا تدخل فى نطاق السلم التعليمى، لافتاً إلى أن فرنسا هى صاحبة الانطلاقة الأولى فى تأسيسها، وتسمى الفترة من سن 2 لـ4 الحضانة، تعقبها مرحلة رياض الأطفال من سن 4 لـ6 سنوات، موضحاً أن هدفها تهيئة الطفل للالتحاق بالمرحلة الابتدائية نفسياً وجسدياً وعلمياً.
ولفت أستاذ التربية، إلى أن غالبية المعلمات اللاتى يعملن فى الحضانات حاصلات على دبلومات وغير مؤهلات: «هى مهنة من لا مهنة له»، فضلاً عن عدم وجود نظام واضح للتعيين، مشدداً على ضرورة التعاون مع كليات التربية ورياض الأطفال: «لديها القدرة والاستعداد على كيفية التعامل مع الأطفال»، مؤكداً أن 60٪ من شخصية الطفل تتكون فى المرحلة الأولى من عمره، مشيراً إلى أن المعلمات فى حضانات دولة اليابان غالبيتهن حاصلات على درجتى الماجستير والدكتوراه.