يحيى حقي.. حينما ينصهر القانون والدبلوماسية والصحافة لتنتج أديبا بارزا
الكاتب الراحل يحيى حقي
الحصول على لقب كاتب أو أديب ليس سهلا، إذ لا بد من روافد عدة تمد الفكر بما يؤهله لأن يصبح كاتبا وصولا لمرحلة الأدب، لكن الكاتب والروائي المصري الراحل يحيى حقي، الذي تحل ذكرى مولده اليوم، لم يكن مجرد أديب، بل يعد علامة بارزة في تاريخ الأدب والسينما، مستغلا دراسته للحقوق وعمله بالمحاماة ثم السلك الدبلوماسي فالصحافة لإصقال قلمه بإبداعاته الأدبية.
ولد حقي في 17 يناير 1905، في القاهرة لأسرة ذات جذور تركية وتوفي في 9 ديسمبر عن عمر ناهز سبعة وثمانين عامًا، بعد أن أعقب تراثًا كبيرًا من الفكر والأدب إبداعا ونقدًا، ففي مجاله الأدبي نشر أربع مجموعات من القصص القصيرة، ومن أشهر رواياته "قنديل أم هاشم"، بخلاف العديد من المقالات والقصص القصيرة الأخرى.
تلقى يحيى حقي تعليمه الأوليَّ في كُتَّاب "السيدة زينب"، والتحق سنة 1912 بمدرسة "والدة عباس باشا الأول" الابتدائية بحي "الصليبية" بالقاهرة، وهذه المدرسة تتبع نفس الوقف الذي كان يتبعه (سبيل أم عباس) القائم حتى اليوم بشارع "الصليبة"، وهي مدرسة مجانية للفقراء والعامة، تعلم فيها مصطفى كامل باشا، وحصل على البكالوريا من مدرسة الخديوية.
ولما كان ترتيبه الأربعين من بين الخمسين الأوائل على مجموع المتقدمين في القطر كله، التحق في أكتوبر 1921 بمدرسة الحقوق السلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول، وكانت وقتئذٍ لا تقبل سوى المتفوقين، رافقه فيها أقران وزملاء مثل توفيق الحكيم، وحلمي بهجت بدوي، والدكتور عبدالحكيم الرفاعي، وقد حصل منها على الليسانس وجاء ترتيبه الرابع عشر.
قضى يحيى حقي فترة التمرين بمكتب نيابة "الخليفة"، وترك الوظيفة بعد مدة وجيزة ليعمل بعدها بالمحاماة التي لم يلبث فيها أكثر من ثمانية أشهر، وعاش في الصعيد عامين، حتى قرأ إعلانا من وزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في القنصليات والمفوضيات، فتقدم لها ونجح فيها وكان ترتيبه الأخير، وعين أمينا لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة ثم إسطنبول فروما، التي ظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939م، إذ عاد بعد ذلك إلى القاهرة في الشهر نفسه، ومكث بوزارة الخارجية عشر سنوات رقي خلالها حتى درجة سكرتير أول وشغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية.
تحول حقي بعد ذلك إلى السلك السياسي إذ عمل سكرتيرًا أول للسفارة المصرية في باريس، ثم مستشارًا في سفارة مصر بأنقرة فوزيرًا مفوضًا في ليبيا، ثم أُقِيلَ من العمل الدبلوماسي عام 1954 عندما تزوج من أجنبية وهي رسَّامة ومثَّالة فرنسية تدعي جان ميري جيهو، وعاد إلى مصر ليستقر بها؛ فعين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة، ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة 1955 فكان أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958، ونقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة قدم استقالته من العمل الحكومي.
تولى يحيى حقي رئاسة تحرير مجلة المجلة من مايو 1962 وحتى نهاية عام 1970، وارتبط اسمها به فكان يقال "مجلة يحيى حقى"، واستطاع أن يصنع نجوم جيل الستينيات في "شرفة المجلة" بشارع عبد الخالق ثروت.
حصل يحيى حقي في يناير عام 1969 على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، كما منحته الحكومة الفرنسية عام 1983، وسام الفارس من الطبقة الأولى، ومنحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراة الفخرية، وكان واحدًا ممن حصلوا على جائزة الملك فيصل العالمية، فرع الأدب العربي، لكونه رائدًا من رواد القصة العربية الحديثة عام 1990.