نحنا والقمر "كنّا" جيران
تحب أغنية فيروز "نحنا والقمر جيران"، لأنها تمثلها، نعم هي لاتمتلك تلال فيروز ولا قرميداً ليترك لها القمر عليه أجمل الألوان، فقط غرفة متواضعة في شقّة متواضعة في أحد ضواحي القاهرة المتواضعة، لكنها كانت تمتلك القمر، تقابله كل يوم من أمام شرفتها، يؤنسها ليلا وسط الظلام الذي لا تحبّه، تخبره ماذا فعلت في يومها، وماذا تتمنى من الغد، ترسل سلامها إلى ربها كل يوم معه، وشكرها الجزيل لأنها لديها من النعم الكثير، ولأنه يرسل إليها القمر.
فاتت الأيام، لكنها لم تستطع الحفاظ على عاداتها، أصبح البحث عن القمر صعباً وسط كل تلك القمم الإسمنتية التي حالت بينها وبينه، قوالب من الطوب الأحمر غزت المكان أمام شرفتها بلا إنذار، وفي وقت قياسي، أصبح تملؤ الأفق بأسره حتى ظنّت أنها ستأخذ منها أنفاسها يوماً ما، أصبح صعباً أن ترى قمرها، صار بعيد المنال عن عينيها، أرضت الطفلة داخلها بأن تظل تحدثه حتى وإن لم تراه جيداً، ستظل على طقوسها معه، وهو بالتأكيد سيسمعها، القوالب الحمراء امتلأت سكاناً أصبحوا يملؤون الدنيا ضجيجاً وأصواتاً بلا معنى، طفل يسكن الدور الأول أمامها لا يتوقف عن الصراخ، ساكنة الخامس تعشق عرض مشاكلها الزوجية على الملأ وإن كانوا لن يساهموا في حلّها، الثالث به شاب مراهق يعتقد أن جميع سكّان الحي يحبون سماع الموسيقى التي يحبها، وإن أعلنوا انزعاجهم منها، الشوارع امتلأت بسيارات لا تتوقف عن النّفير ليل نهار، طالما لم يخفّ الزّحام الذي لا يخف.
حزنت، لكنها مع الوقت اعتادت حياتها كذلك، بدون قمر، دخلت الجامعة، تخرجت وعملت في مكان ما يلزمك بالاستيقاظ من النوم في السادسة صباحاً، وهو ما لا يتوافق مع السهر لمناجاة القمر، تزوجت، وعاشت في أحد قوالب الطوب الأحمر تلك، هي رخيصة الثمن وبجانب أمّها وقريبة من المواصلات، انشغلت بزوج وبيت وأولاد، وجيرانٍ آخرين.