تذكرة قطار بالدرجة الأولى غيَّر مسار شاب هندي عادي إلى زعيم سياسي تاريخي يقترن اسمه بالنضال ضد التمييز والعنصرية، فاشتهر بلقلب المهاتما التي تعني "الروح العظيمة"، لكن أحفاده خرجوا عن مساره وخالفوا مبادئ كفاحه فأصدروا قانونا يعيد التمييز مرة أخرى ضد المسلمين ويرفض منحهم الجنسية الهندية مؤخرا.
إنه "غاندي" السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلالها، الذي تحل ذكرى وفاته الثانية والسبعين اليوم، إذ ولد في 2 أكتوبر 1869 وتوفي "مغتالا" في 30 يناير 1948 عن عمر ناهز 79 عاما، وكان رائداً لمقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، الذي أدى إلى استقلال الهند وألهم الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم. تم تشريفه رسمياً في الهند باعتباره أبو الأمة؛ حيث إن عيد ميلاده، 2 أكتوبر، يتم الاحتفال به هناك كغاندي جايانتي، وهو عطلة وطنية، وعالمياً هو اليوم الدولي للاعنف.
استعمل غاندي العصيان المدني اللاعنفي حينما كان محامياً مغترباً في جنوب أفريقيا، في الفترة التي كان خلالها المجتمع الهندي يناضل من أجل الحقوق المدنية، وبعد عودته إلى الهند في عام 1915، قام بتنظيم احتجاجات من قبل الفلاحين والمزارعين والعمال في المناطق الحضرية ضد ضرائب الأراضي المفرطة والتمييز في المعاملة. بعد توليه قيادة المؤتمر الوطني الهندي في عام 1921، قاد غاندي حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر، وزيادة حقوق المرأة، وبناء وئام ديني ووطني، ووضع حد للنبذ، وزيادة الاعتماد على الذات اقتصادياً، وكان يهدف إلى تحقيق سواراج أو استقلال الهند من السيطرة الأجنبية.
قاد غاندي أيضاً أتباعه في حركة عدم التعاون التي احتجت على فرض بريطانيا ضريبة على الملح في مسيرة ملح داندي عام 1930، والتي كانت مسافتها 400 كيلومتر. تظاهر ضد بريطانيا لاحقاً للخروج من الهند. قضى غاندي عدة سنوات في السجن في كل من جنوب أفريقيا والهند.
عاش غاندي في أفريقيا الجنوبية عشرين عاماً ومنذ وصوله إلى هناك، وجد نفسه مجبراً على مواجهة العنصرية، واشتعلت شرارة نضاله بعدما تم طرده من الدرجة الأولى في أحد القطارات يوم 21 مايو 1893 حيث قام أحد الركاب البيض بالتبليغ عنه، وبالرغم من أن غاندي كان قد دفع ثمن تذكرته، وكان يرتدي بدلة ثمينة، فإنه طرد بالقوة من عربة الدرجة الأولى، ودفعه الشعور بالإذلال والمهانة الذي انتابه جراء ذلك الحادث إلى النضال من أجل حقوق الهنود الذين كانوا كثيرين في جنوب أفريقيا في ذلك الوقت.
وكان مجتمع العمال في جنوب إفريقيا منقسماً إلى جماعات مختلفة منها التجار المسلمين "العرب"، والمستخدمين الهندوس، والجماعة المسيحية، وكانت بين هذه الجماعات الثلاث بعض الصلات الاجتماعية، ودافع غاندي عن العمال الهنود والمستضعفين من الجاليات الأخرى، واتخذ من الفقر خياراً له، وتدرب على الإسعافات الأولية ليكون قادراً على إسعاف البسطاء، وهيّأ منزله لاجتماعات رفاقه من أبناء المهنة ومن الساسة، حتى إنه كان ينفق من مدخرات أسرته على الأغراض الإنسانية العامة. وقاده ذلك إلى التخلي عن موكليه الأغنياء، ورفضه إدخال أطفاله المدارس الأوربية استناداً إلى كونه محامياً، يترافع أمام المحاكم العليا.
لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل، في 30 يناير سنة 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ويدعى ناثورم جوتسى ثلاث رصاصات قاتلة سقط على إثرها المهاتما غاندي صريعاً، وقد تعرض غاندي في حياته لستة محاولات لاغتياله، وقد لقي مصرعه في المحاولة السادسة، وقال غاندي قبل وفاته جملته الشهيرة "سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون، وفي النهاية ستنتصر".
وقد غير أحفاده مسار نضاله بل واتبعوا نهج من قام باغتياله، حتى وصل الأمر إلى تعديل قانون المواطنة لعام 2019 في الهند الذي صدر عن البرلمان الهندي بحيث يوفر طريقًا للحصول على الجنسية الهندية للأقليات الدينية من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان، وتم حصر الأقليات الدينية التي يُطبق عليها التعديل في: الهندوس ، والسيخ ، البوذيين ، الجينز ، الفرس و المسيحيين، ولم يتم منح المسلمين مثل هذه الأهلية، مما أدى إلى موجة من الاحتجاجات لاسيما وأن هناك قلق من عدم إدراج العديد من الدول غير الإسلامية حول الهند، مثل سري لانكا.
تعليقات الفيسبوك