م الآخر| يناير وأسراب الغربان
لماذا أصبحنا بين ليلة وضحاها نحن المصريين أسرابًا من الغربان؟! سؤال طالما راودني منذ أحداث يناير2011 ولم أصل لإجابة له حتى الآن!.
ولم أسأل نفسي هذا السؤال لمجرد أن رائحة الدم أصبحت حولنا للأسف في كل مكان، ولا لأننا أصبحنا كالغربان نملىء صدانا نعيقًا في آن واحد، فلا يسمع أحدنا الآخر ولا حتى لأن التشاؤم أصبح طبعنا، ليس ذلك ما أثار هذا التساؤل العجيب داخلي على الرغم من تطابقها التام مع طباع أسراب الغربان.
بل إن ما أحزن قلبي وأثار تساؤلي هو أننا حتى لم نصبح سربًا واحدًا، فالغربان تتميز عن غيرها من الكائنات أنها إن سقط أحدها جثة هامدة التف حوله باقي السرب وملىء الدنيا نعيقًا ولا يتركها أبدًا، ونحن الآن حتى لم نعد سربًا واحدًا ولم يعد يشغلنا حتى انتشار رائحة الدم وازدياد أعداد قتلانا، ولا ازدياد تشاؤمنا بل للأسف الشديد أصبح كل سرب فينا ينافس الآخرين في نعيقه.
فتجد سرب لا يملىء الدنيا نعيقًا إلا إذا سقط أحد الثوار، وسرب ينعق مع سقوط الجنود، وسرب ينعق مع سقوط أحد إخوانه، وسرب ينعق مع صحفي أو مصور قد سقط.. إلخ، فلماذا حتى أصبحنا لا ننعق سويا؟، ولا يهتم أحدنا بالآخر طالما كان من خارج سربه؟، وأصبحنا فقط نتنافس في إعلان نعيقنا، للأسف الشديد لهذا الحد أصبحنا منذ يناير وحتى الآن فماذا حدث لنا نحن المصريين خير من كان ينطبق عليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى شَيْئًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".