الكبار من أصحاب الأفكار الجامدة المتكلسة ليس بإمكانهم إنتاج فكر نهضوى، أو الحماس لواقع نهضة، لذلك كان الشباب جوهر التحول فى كل العصور، ووسيلة إحداث التغيير داخل أشد المجتمعات جموداً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نصرنى إلا الشباب، وما خذلنى إلا الشيوخ». فالشباب هم الأكثر حماساً للأفكار الجديدة التى تصب فى خانة المستقبل، فى حين يحنّ الشيوخ إلى الأفكار القديمة كجزء من حنينهم إلى الماضى.
ولعلك تذكر أن الدعوة إلى ثورة 25 يناير جاءت من الشباب، فى حين أنكرها الشيوخ، وبينما كان الشباب يحشدون على «الفيس بوك»، من أجل النزول إلى شوارع وميادين مصر، كان الكثير من الشيوخ يثبّطون هذه الدعوات، ويعلنون عدم المشاركة فيها. وما إن قطعت الثورة خطوات فى طريق النجاح، وخصوصاً بعد أحداث «جمعة الغضب»، حتى أخذ الشيوخ، ومنهم شيوخ الإخوان والسلفيين، فى النزول والمشاركة من أجل ركوب الثورة. وما إن نجحت الثورة فى تحقيق هدفها الأول بالإطاحة بـ«المخلوع»، حتى تنادى الشيوخ بضرورة العودة إلى البيوت، على غير رغبة الشباب الذى كان يريد الاستمرار فى ثورته، حتى ينظف الأرض تماماً من أدران العهد البائد!.
لقد دخل الشيوخ فى الثورة، بعد أن أيقنوا أن انتصارها حتمى، فى مشهد لا يبتعد، إلا قليلاً، عن مشهد دخول شيوخ مكة فى الإسلام، بعد أن أظهر الله دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم، عقب سنين طويلة مكثوا يحاربون الدعوة الجديدة خلالها. وما إن مات النبى عليه الصلاة والسلام حتى بادر هؤلاء الشيوخ للكيد للإسلام، ووراثة ما كانوا يرون أنه ملك صنعه النبى، ولم يألُ أى منهم جهداً فى الجهاد من أجل الإسلام حتى يقدم صك تبرئته من تاريخ العداء له، ويتمكن من الكيد له بصورة لا تدعو إلى الشك أو الريبة!.
كذلك فعل الشيوخ الذين امتطوا ظهر شباب ثورة 25 يناير، حين شاركوا بجدية ظاهرة فى الثورة -بعد أن اطمأنوا إلى نجاحها- وتمكنوا من تصدر المشهد بأكمله، فى الوقت الذى تاه فيه الشباب بينهم، وبدأت أدواره فى التراجع، عندما أخذ الشيوخ يتفرغون لعملية نقل السلطة إليهم، فدعوا الشباب إلى الهدوء حتى يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف، ولم يتحرك لأحدهم جفن لممارسات المجلس العسكرى القمعية ضد الشباب، بل وأخذوا يسخرون من نزول الفتيات إلى الشوارع ويلومونهن على ذلك. وبتراجع دور الشباب، كان من الطبيعى أن يتلاشى موضوع النهضة، ويفقد وجوده عندما فقد وقوده، ليخرج علينا «خيرت الشاطر» معلناً عدم وجود مشروع للنهضة فى مصر ما بعد الثورة. الثورة التى ورثها الشيوخ ولم يؤمنوا بها!.