أصدر رئيس الجمهورية المؤقت المستشار «عدلى منصور» قراراً بتحصين التعاقدات بين الحكومة والمستثمرين، ومنع أى طرف ثالث من الطعن على العقود المبرمة بين الطرفين (الحكومة والمستثمرين)، وقد جاء قرار رئيس الجمهورية تصديقاً على المقترح الذى تقدمت به الحكومة فى هذا الصدد، وتم تغليفه بحجة تبدو مقنعة فى ظاهرها، تتمثل فى تعزيز مناخ الاستثمار، وتحفيز النشاط الاقتصادى، وتوفير نظام إجرائى يضمن استقرار تعاقدات الدولة مع المستثمرين.
الأسباب التى ساقتها الحكومة لا تفتقر إلى «الوجاهة»، ولكن يعوزها الالتفات إلى مسألة «النزاهة». فالتجربة تشهد أن الكثير من التعاقدات التى أبرمتها حكومات عديدة سابقة مع مستثمرين شابها الفساد، فبيعت العديد من مشروعات القطاع العام بثمن بخس، وبيعت أراض شاسعة لمستثمرين مقابل «ملاليم». يدلل على ذلك الأحكام القضائية التى نصت على استعادة بعض شركات القطاع العام من أنياب الخصخصة، مثل شركة «المراجل البخارية» و«شبين الكوم للغزل والنسيج» و«طنطا للكتان»، لأن عملية البيع شابها الفساد.
وتؤشر تجربة الزواج بين المال والسلطة فى مصر إلى وجود منهجية أو أسلوب معين يتم اتباعه فى مثل هذه الأحوال. فالمستثمر يدفع «الملاليم» لخزانة الدولة، ويشترى الشركة أو الأرض بأقل من ثمنها بكثير. ومؤكد أن المسئول الحكومى لا يقع فى هذه المعصية لوجه المستثمر، بل بقصد المنفعة الذاتية، وبعض المسئولين لا يختشون عن لعب دور «السمسار» الذى يتم «تعريقه» لإبرام الصفقة الحرام بين هذا الكيان الذى يسمى الحكومة والمستثمر، وإلا من أين جاءت هذه المليارات الممليرة التى يمتلكها هذا أو ذاك من رجال الحكم خلال السنوات الأخيرة؟. وربما كان المسئول «السمسار» يقبض أكثر مما تقبض الدولة مقابل بيع هذا المشروع أو ذاك. هذا ما أكدته أحكام القضاء فى قضايا تم رفعها بمعرفة مواطنين عاديين وعمال يعملون بالشركات التى بيعت «فطيس». وكلنا يعلم أن هناك شركات يسعى القائمون عليها إلى «وقف حالها» ويصرخون بعد ذلك بما تحققه من خسائر، بهدف التحضير لبيعها، وما مثال «شركة الحديد والصلب» بحلوان منا ببعيد.
كنت أتصور أن السلطة المؤقتة التى عاينت «لسعة» أحكام القضاء التى صدرت باسترداد بعض الشركات التى بيعت سوف تنفخ فى «الزبادى»، لكنها فاجأتنا بهذا القانون بذريعة طمأنة المستثمرين. وحقيقة الأمر فإننى لا أجد معنى لطمأنة مستثمر لا يريد أن يشترى الأشياء بثمنها الحقيقى بعيداً عن التلاعب. قد يخوّفنا البعض من لجوء بعض المستثمرين الذين تم استرداد المشروعات التى اشتروها -طبقاً لقواعد الزيجة الزنيمة بين المال والسياسة- إلى التحكيم الدولى. وهو أمر لا يثير القلق إذا أخذنا فى الاعتبار أن العقد المبرم بالفساد هو فى الأول والآخر غير جدير بالحماية الدولية المقررة للاستثمارات الأجنبية كما يؤكد الكثير من الخبراء الاقتصاديين. القرار الذى صدر عن الرئيس المؤقت بتحصين العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين ربما يؤدى إلى «طمأنة» المستثمرين لكنه فى المقابل يثير «قلق» الشعب!.