جلس المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات وبين يديه ملف متخم بالأوراق.. كانت مصر كلها تحبس أنفاسها: مَن الرئيس الفائز؟!.. شفيق أم مرسى؟!.. ودون جدوى حاول الرجل إخفاء انطباعه الشخصى.. إذ بدا أمام كاميرات التليفزيون مرتبكاً خائفاً من شىء ما.. وسرعان ما بدأ: بسم الله الرحمن الرحيم.. ثم شرع فى تلاوة نتيجة الانتخابات..!
قال الرجل وقد كست وجهه علامات الإجهاد والتوتر: «لقد راعينا الله وضميرنا وشرف القضاء فى إدارة العملية الانتخابية بالكامل وتلقينا عشرات الطعون على النتائج الأولية، ودرسنا كل طعن على حدة.. وقد ثبت للجنة بما لا يدع مجالاً للشك أن العملية الانتخابية شابتها تجاوزات فى بعض اللجان بما يؤثر على النتيجة النهائية.. وقد قررنا قبول الطعون «أرقام كذا.. وكذا.. وكذا» واستبعاد مليونين وثمانمائة ألف وأربعمائة واثنين وعشرين صوتاً.. وعليه فقد جاءت النتيجة كالآتى: حصول الفريق أحمد شفيق على 11 مليوناً وستمائة ألف صوت ود. محمد مرسى على 10 ملايين وأربعمائة ألف صوت، وبذلك نعلن أحمد شفيق رئيساً للجمهورية..!
بمجرد إعلان الأرقام النهائية، وقبل أن يختتم فاروق سلطان بيانه، امتلأت بعض الميادين بالمحافظات بالتظاهرات التى شارك فيها إسلاميون وبعض ائتلافات الثورة احتجاجاً على فوز شفيق.. وسرعان ما وجدت قوات الشرطة والجيش نفسها فى مواجهة المسيرات وبعض الاشتباكات مع المتظاهرين، أسفرت عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة 271 فى مواقع عدة.. مرت ستة أيام صعبة على مصر، إلى أن هدأت الأوضاع، وسحبت «جماعة الإخوان» شبابها من المواجهات، رغم اعتراضها الشديد على النتيجة حقناً لدماء المصريين..!
سريعاً.. أدى «شفيق» اليمين الدستورية، وتوجه إلى المنصة بمدينة نصر ليلقى خطاباً حماسياً أمام حشود غفيرة من أنصاره.. يومها حاول الحرس الجمهورى إقصاء المعجبين بـ«شفيق» من المنصة، فصرخ الرئيس «أريدهم حولى.. إنهم أبنائى.. أنا لا أخشى أحداً ولا أهاب الموت».. ثم فتح «الجاكت» أمام كاميرات التليفزيون قائلاً: «لا أرتدى قميصاً واقياً.. كيف أرتديه وأنا قتلت واتقتلت فى أرض المعارك».. اشتعلت الحناجر بالهتاف للرئيس الجديد الذى قرر أن يبقى بين الناس دون حواجز أو كردونات أمنية ومواكب مهيبة.. هذا الهتاف الذى هز أرجاء القاهرة أعجب «شفيق» جداً، ففتح الجاكت مرة أخرى.. ثم ثالثة.. ثم رابعة، وكلما صرخ «الأنصار» فتح «شفيق» الجاكت، حتى همس أحد أعضاء حملته فى أذنه «ما تقلعه خالص يا ريس»..!
خلع شفيق الجاكت.. وجلس على كرسى الرئاسة فى القصر مزهواً بنفسه.. وبدأ نشاطه بعدة لقاءات مع القوى السياسية والأزهر والأقباط والقضاة والإعلاميين.. ثم شرع على الفور فى تشكيل حكومته، ورغم تأخرها وقلق الرأى العام، فاجأ «شفيق» الجميع باختيار لواء متقاعد بالقوات المسلحة رئيساً للوزراء، وضم التشكيل الوزارى أعضاء سابقين فى لجنة السياسات بالحزب الوطنى «المنحل»..!
خرجت أصوات المعارضة تطالب بالإفصاح عن مصير بلاغ «أرض الطيارين» وبلاغات أخرى ضد «شفيق» لدى النيابة.. ولم تمر ساعات قليلة حتى أعلنت سلطات التحقيق أن البلاغات تم حفظها لأنها تستند إلى أقوال مرسلة، ولم يمر يومان حتى أعلنت إحالة عصام سلطان صاحب بلاغ «أرض الطيارين» إلى المحاكمة بتهمة البلاغ الكيدى، وفى اليوم ذاته أحيل 11 ناشطاً سياسياً إلى القضاء بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، ووقف بث قناة «مصر 25» الإخوانية لتحريضها ضد «شفيق»..!
ظل شفيق يخطب فى الناس عدة أسابيع بواقع خطاب كل 52 ساعة.. وكان يردد عبارة واحدة «لن يفلت أحد من العقاب».. لذا شعر «الإخوان» بالخطر، فسافر «المرشد» ومرسى وخيرت الشاطر إلى السعودية لأداء العمرة، ومن السعودية إلى قطر.. وأثناء أدائهم العمرة، كان أبناء «المنصة» يتقدمون ببلاغات ضد «الجماعة» ركزت على عدم شرعيتها، والتحريض ضد العنف، وغموض التمويل.. وأدرك الجميع أن قيادات الإخوان ستبقى فى قطر..!
فى يوم 11 أغسطس 2012 زار رئيس دولة الإمارات القاهرة.. والتقى شفيق فى اجتماع مغلق.. وخرجت بيانات الرئاسة تبشر بمنح وقروض واستثمارات إماراتية ضخمة فى مصر.. وفى اليوم التالى قرر «شفيق» إحالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وعدد من أعضاء المجلس العسكرى للتقاعد، وتعيين قائد القوات الجوية وزيراً للدفاع.. وخرجت الأصوات تهلل للقرار التاريخى فى اللحظة المناسبة.. وشعر «الرئيس الجديد» بالانتشاء.. غير أنه كثف الإجراءات الأمنية لحمايته.. ولم يعُد يذهب إلى المنصة.. وحين قرر أداء صلاة الجمعة فى مسجد «السيدة نفيسة» منع الأمن المصلين من دخول «بيت الله».. وتوقف الكثيرون عن الذهاب إلى قصر الرئاسة للشكوى من الظلم وضنك العيش.. فقد فتح لهم «شفيق» مكتباً للشكاوى.. جمع شكاواهم.. ولم يغِث ملهوفاً ولا رد مظلمة..!
أصبح «شفيق» رئيساً على الطريقة المصرية.. دانت له البلاد ورضخ له العباد.. وحين أفصح له مستشاره الإعلامى «عبدالله كمال» عن مخاوفه من غضب الشعب.. رد عليه بهدوء تام: لا تقلق.. فأنا أعرف المصريين جيداً..!