ما الحكمة من مشروعية صيام شهر رمضان؟.. المفتي يجيب
د. شوقي علام
تلقت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي، سؤالا عن الحكمة من مشروعية الصوم، وأجاب عنه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية.
وأكد علام في فتواه، أنّ الصوم وسيلة للتحلي بتقوى الله؛ لأن النفس إذا امتنعت عن بعض المباحات الضرورية -كالطعام والشراب-؛ طمعا في مرضاة الله، وخوفا من غضبه وعقابه؛ يسهل حينئذ عليها الامتناع عن المحرمات، والتحلي بتقوى الله تعالى؛ ولذا قال تعالى: "يأيها ٱلذين ءامنوا كتب عليۡكم ٱلصيام كما كتب على ٱلذين من قبۡلكمۡ لعلكمۡ تتقون" [البقرة: 183].
وأضاف المفتي، أنّ الصوم وسيلة للتحلي بالإخلاص؛ لأن الصائم يعلم أنّه لا يطلع أحد غير الله تعالى على حقيقة صومه، وأنّه إذا شاء أن يترك الصوم دون أن يشعر به أحد لفعل، فلا يمنعه عن الفطر إلا اطلاع الله تعالى عليه، ولا يحثه على الصوم إلا رضاء الله، والنفس إذا تعايشت مع هذه الرؤية صارت متحلية بالإخلاص، ويشير إلى هذا المعنى الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به".
وقال مفتي الجمهورية، إنّ الصوم وسيلة للشكر، لأنه بالامتناع في وقت الصوم عما أنعم الله به على الإنسان من الطعام والشراب وسائر الشهوات المباحة، يتبين للإنسان مقدار النعم وحاجة الإنسان إليها، ومدى المشقة التي تلحق المحروم من النعم، فتتوق نفسه إلى شكر المنعم العظيم الغني الذي وهب ومنح دون مقابل أو حاجة لمقابل، ويفيض القلب بالرحمة والشفقة والعطف على الفقراء والمساكين والمحتاجين، ويشير إلى هذه المعاني قوله تعالى في خاتمة آيات الصيام: "ولعلكمۡ تشۡكرون" [البقرة: 185].
وتابع أنّ بني آدم يذنبون ولا يقدرون على تأديب الله لهم بالنار، فأمرهم بالصيام؛ ليذوقوا نار الجوع في الدنيا فتحرق ذنوبهم؛ لينجوا من نار الجحيم، والصوم وسيلة لدفع وساوس الشيطان؛ لما فيه من تخلق النفس بالصبر على الجوع والعطش والشهوة، والحد من نهمتها وانطلاقها الغاشم في الملذات، فالنفس المنطلقة في الشهوات اللاهثة وراء الملذات ما أسهل أن تستجيب للشيطان حين يزين لها المهالك والموبقات؛ لذا كانت النفس في حاجة إلى الضبط والتنظيم في تنعمها بنعم الله تعالى، وإلى الترويض على مقاومة الشيطان، ولهذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
وأوضح المفتي أنّ المقصود من الصوم: إمساك النفس عن خسيس عاداتها، وحبسها عن شهواتها، ومنعها عن مألوفاتها، ولما كانت النفس مائلة إلى حب الرفعة على سائر المخلوقات والتكبر عليهم، وغير ذلك من العوائق الحاجبة لها من أن تصل إلى الأنوار الإلهية، جعل الله الصوم سببا قويا في إزالة العوائق، حتى أنّ أرباب المكاشفات لا يصلون إليها إلا بالصوم؛ لأنه سببا في تواضع النفس، وبتواضعها لا يحوم الشيطان حولها، فتصل إلى تلك الأنوار الصمدية، ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات".
وزاد: "حكمة وجوبه شهرا: ليكون مع الستة الأيام من شوال بعدد أيام السنة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان بـ10 أشهر، وصيام الأيام الستة من شوال بصيام شهرين، فجملة ذلك اثنا عشر شهرا، فلذلك كان المداوم على فعل ذلك في كل عام كأنه صام الدهر كله؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر)، رواه الإمام أحمد ومسلم، قال النووي: (قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين)، وخص شوالا بالذكر لقربه من رمضان، فيكون صوم الستة في شوال جابرا لما يقع من خلل في رمضان.