تحولت قضية عقد أو مذكرة التعاون بين اتحاد الإذاعة والتليفزيون ومجموعة قنوات MBC إلى «معركة ملتبسة»، حاول فيها البعض -ومن بينهم للأسف الزميل محمد أمين- أن يصور غضبة قنوات «الحياة وCBC والنهار ودريم وأون تى فى» باعتبارها محاولة لهدم تليفزيون الدولة حتى تنفرد «مافيا» الفضائيات الخاصة المصرية بكعكة الإعلانات.. وساعتها -كما قال محمد أمين- «تبيع المافيا وتشترى فى مصر.. وساعتها تتحكم فى الرسالة الإعلامية».. ولا يكتفى الزميل بهذا التوصيف المخل للقضية، ولكنه يحرض المشير عبدالفتاح السيسى ضد الفضائيات المصرية الخاصة، ويذهب إلى وضع هذه المهمة المقدسة على قائمة جدول أعمال المشير عندما يصبح رئيساً، ليس باعتبارها قضية تستحق الدراسة المتأنية قبل اتخاذ قرار بشأنها، ولكن باعتبارها «حرباً تنتظر المشير»!
المثير فى الأمر أننى توقفت مذهولاً أمام جملة: «ساعتها تبيع المافيا وتشترى فى مصر.. وساعتها تتحكم فى الرسالة الإعلامية»، وفكرت أن أتصل بالزميل وألفت نظره إلى أن هذه الجملة تحديداً، بما تحمله من معنى رهيب، هى ذاتها التى أقامت الدنيا ولم تقعدها ضد مذكرة التعاون بين تليفزيون الدولة ومجموعة قنوات غير مصرية، ستديرها وتتحكم فى مضمونها كاملاً مجموعة أنطوان شويرى الإعلانية، وهى مجموعة لم يعد هناك من يجهل أنها مجرد ذراع إعلامية واستثمارية جبارة لميليشيات حزب الكتائب اللبنانى المارونى، وأن وجود أى نوع من التعاقد أو مذكرات التعاون أو التفاهم لهذه المجموعة مع تليفزيون الدولة هو أمر يتجاوز صميم العمل الإعلامى أو الإعلانى المحض، إلى أدوار سياسية ينبغى أن يستحضرها محمد أمين وهو يتحدث عن خوفه من «المافيا التى تبيع وتشترى فى مصر.. وتتحكم فى الرسالة الإعلامية».
لا أقول أبداً: إنه ليس من حق مجموعة «شويرى» ولا من حق وكالة «إبسوس» لبحوث مشاهدة الفضائيات، ألا تعملا فى مصر، ولكننى لا أستطيع أبداً أن أمنع نفسى من التفكير فى مصير الرسالة الإعلامية بالوطن العربى كله، بعد أن أصبحت، إلى حد كبير، فى قبضة مجموعة واحدة استولت على معظم حقوق التمثيل التجارى والإعلانى لأكثر من 17 شبكة قنوات عربية، كانت على رأسها قنوات الجزيرة القطرية، واستحوذت على أكثر من 80٪ من إعلانات الشوارع فى كل دول مجلس التعاون الخليجى، ولم تتمكن من دخول مصر إلا فى عهد «الإخوان».
إن من يحرضون المشير السيسى على أن يخوض حرباً ضد مافيا الفضائيات الخاصة المصرية، عليهم أن يفكروا فقط فى مصير كل المؤسسات الإعلامية، ومصير مضمونها الإعلامى والسياسى، عندما تسقط فى قبضة مجموعة «شويرى» التى تدير فى الوقت نفسه كل وكالات بحوث المشاهدة فى المنطقة العربية، وعليهم فقط أن يبحثوا عن السر الكامن فى المصادفة العبقرية التى وضعت كل قدرات بحوث المشاهدة العربية فى مجموعة من البشر ينتمون كلهم إلى الطائفة المارونية فى لبنان، وينحدرون من نفس «الضيعة» التى تشكلت فيها ميليشيات الكتائب اللبنانية التى نفذت مجزرة صابرا وشاتيلا تحت إشراف جيش الدفاع الإسرائيلى.
من حق مجموعة «شويرى» ومن حق «إبسوس» ومن حق كل الوكالات الإعلانية أن تعمل فى مصر، ولكن ليس من حق أحد أن يفعل فى هذا البلد ما فعله فى دول الخليج؛ حيث تسببت مجموعة «شويرى» فى خروج مئات الوكالات الإعلانية من السوق الخليجية، وتدخلت بشكل صارخ فى تحديد مضمون البرامج ونوعية الدراما، حتى غرق العالم العربى كله تحت شلال هادر من التفاهة، وتم تغييبه بشكل متعمَّد ومدروس عن إدراك قضاياه المصيرية، وأصبحت معارك التصويت للمتسابقين فى برامج الغناء والرقص وألعاب الحواة هى فقط الساحات التى ينبغى علينا أن ننفق فيها المليارات.
والخلاصة أننا ينبغى أن نصطف خلف مبدأ «حماية المنافسة ومنع الاحتكار» وأن نخوض معركة عدم تغول الوكالات الإعلانية على المادة التحريرية فى الصحف أو مضمون البرامج، بدلاً من الغمز واللمز الرخيصين، وبدلاً من الادعاء المتهافت بأن الفضائيات الخاصة تريد أن تهدم تليفزيون الدولة وتسرق كعكة الإعلانات منه.. فتليفزيون الدولة لن تبنيه مجموعة «شويرى» ولن تصعد به بحوث «إبسوس» المارونية من أجل عيون الأمن القومى المصرى.. تليفزيون الدولة سيغرق فى التفاهة لقاء فتات حقير ستلقيه مجموعة «شويرى» على باب ماسبيرو.. وربما -يا أستاذ محمد أمين- لقاء وظائف مجزية تنتظر الذين أنجزوا هذا الاتفاق بعد خروجهم إلى «المعاش».