كان حضور المرأة المصرية طاغياً لكنه ليس جديداً فقد كانت دائماً وقود العملية الانتخابية يتم استدعاؤها ثم استهلاكها ثم إعادتها خالية الوفاض بلا عائد سوى «الكلمات»، كما قال العظيم نزار قبانى. لكن الفارق هذه المرة أن المرأة خرجت استناداً إلى قرار مبنى على وعى كبير، خرجت استجابة لطلب ونداء السيسى ليس حباً فيه كما يحلو للبعض التقليل من شأن المرأة وإظهار الأمر كهبّة عاطفية، ولكن خرجت ثقة فيه وفى قدرته على تحقيق خلاص هذا الوطن كما أصبحت تتحرك دون اتباع لأحد، فحتى عزوف الزوج أو الأب لم يمنعها.
هنا نحتاج إلى أن نقف على ما يمكن أن نطلق عليه «تغيير هيكل السلطة حتى داخل العائلة» فلم تعد البنات والسيدات تلتزم أو حتى تنتظر قرارات قبيلية أو عائلية، ما يحتم إعادة النظر فى طريقة التفكير التى تدار بها شئون عديدة فى الدولة وأن يحسب للمرأة حسابات مغايرة لأنها ليست كتلاً أسمنتية يمكن تحريكها إنما كتل تصويتية لديها وعى وعزم على ألا يضيع حقها مرة أخرى، وعى تم بناؤه بمعاناة شديدة على مدار ما يقرب من أربع سنوات. كانت النساء أكثر حرصاً على الوقوف فى طابور انتخابات شبه محسومة وبدت كأنها وحدها فى الطوابير لأن النساء لديهن معركة واضحة مع نظام الإخوان وجماعات الإسلام السياسى عامة، هذا النظام الذى استهدفها مع أول برلمان وأراد إلغاء كل القوانين التى تعطيها فتات حقوق، وقفت النساء آنذاك وحدها تطلب الدعم من القوى السياسية والحركات الشبابية، لكن الجميع تركها وحدها وتعالى عن الحديث عن حقوق المرأة باعتباره «كلام نسوان»، لم تعطِ الأحزاب السياسية بالاً لمحاولات تغيير قانون الجنسية أو الأحوال الشخصية، تعاملوا مثل رجال القرون الوسطى عندما كانت المرأة تتألم من آلام المخاض فيعتبرون هذا شأن «نسوان» ويجلسون بهدوء يدخنون الأرجيلة، كانت الأمهات تبكى وتصرخ لمجرد الحديث عن تغيير قانون الحضانة، وبهوات الأحزاب التقدمية والليبرالية لا يعطوهن حتى أذناً للاستماع، بل ساهم الكثيرون فى إقصاء المرأة فى قانون الانتخاب وما بعده، لذا كان إسقاط الإسلاميين معركة المرأة، ودعم السيسى أيضاً معركة المرأة ونجحت فيهما.
بدلاً من أن تتندر القوى السياسية على دور المرأة عليها أن تهتم بمطالبها وحقوقها حتى لا تجد نفسها فى مرمى نيرانها، على القوى السياسية أن تفسح المجال لها فى الأحزاب بل توحد مطالبها فى تغيير قانون الانتخابات المقبل مع مطالب المرأة، فإن أرادت 50% على القوائم لا بد أن تكون نصف القوائم للنساء مثلما فعلت تونس وليبيا، وأن تكف الأحزاب عن الكلام السطحى التافه من عينة لا يوجد لدينا كوادر نسائية لأنه فى واقع الأمر ليس لديهم كوادر نسائية ولا رجالية، كانت الأحزاب تتسول الأسماء فى الانتخابات البرلمانية الماضية حتى تكمل قوائمها، ورأينا أكبر عملية ابتزاز مارسها من كان يملك مالاً أو شهرة على الحزب ليضعه على رأس القائمة، حتى ظهر لأول مرة «المرشح الطائر» ينتقل من حزب إلى حزب آخر متناقض معه فكرياً لمجرد عرض مكان أفضل على القائمة.
أما السيسى فأمامه تحدٍّ كبير، هو كيف يحافظ على ثقة نساء مصر ويرفع عنهن الظلم والتمييز الذى تمارسه عقول بيروقراطية فى السلطة المصرية، عقول تفتقد الكفاءة وتعمل بقواعد بالية، وتضع المرأة موضع الديكور والزينة وليس موضع الكفاءة والبناء، فإذا اتخذت القرارات على أساس الكفاءة لكان أكثر من نصف الوزارة وزيرات ونصف البرلمان المقبل برلمانيات، لكن العقلية البيروقراطية الكسولة هى أكبر عدو نواجهه على مستوى المرأة والوطن.