منى عمر: تمكنا من قيادة العالم الإسلامى ومحاصرة الدانمارك دولياً.. ثم أفسدت الاحتجاجات تحركاتنا
قبل 6 سنوات تلقى العالم الإسلامى صدمة، جاءت من الدنمارك، بنشر إحدى الصحف رسوماً مسيئة للرسول محمد «صلى الله عليه وسلم»، واشتعل وقتها الغضب فى كل بيت مسلم فى كل أنحاء الأرض. والآن، أعاد الفيلم الأمريكى المسىء، الذى ما زالت تداعياته تجرى على الأرض، وبلغت ذورتها بمقتل السفير الأمريكى فى ليبيا، إلى الأذهان الأحداث القديمة للرسوم المسيئة، ولكن فى هذه المرة جاء الغضب مختلفاً، وأيضاً اختلف التحرك الدبلوماسى لمصر.
«الوطن» حاورت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية، التى كانت تشغل منصب سفير مصر لدى الدنمارك وقت أحداث الرسوم لتكشف تفاصيل وأسرار إدارة مصر لأزمة الرسوم.. وإلى تفاصيل الحوار:
* إذا عدنا لأيام عملك كسفيرة لمصر فى الدنمارك وقت اشتعال أزمة الرسوم.. هل يمكن أن تطلعينا عن شكل التحرك الدبلوماسى لمصر وقتها؟ وخاصة أننا نعيش أزمة مشابهة؟
- بالطبع كانت فترة عصيبة، ولا أنسى بالنسبة لى على مستوى تاريخى الوظيفى كانت هذه الفترة استثناء، فذات يوم فوجئنا بجريدة دانماركية تنشر رسوماً بالغة الإساءة للنبى محمد «صلى الله عليه وسلم»، وقمنا بالاحتجاج مباشرة على هذا الفعل، وجاءت الحجة أنها نشرت من منطلق حرية الرأى والتعبير، وحاولنا أن نفهمهم أن هذه إساءة وتعدٍ على أديان الآخرين، ولكن أخذتهم العزة بقناعتهم، ومن ثم بدأنا التحرك بشكل مختلف.
* كيف كان شكل التحرك؟
- وقتها كان وزير الخارجية هو الوزير أحمد أبوالغيط، وكان هناك تنسيق مباشر بيننا فى السفارة وبين الوزارة فى القاهرة، واتخذ القرار بالقيام بحملة دبلوماسية شاملة للعالم الإسلامى تقودها مصر، ولكنها اتسمت بالتدرج. بدأتها فى الدانمارك وقمت بدعوة كافة سفراء الدول الإسلامية فى الدانمارك لعقد اجتماع عاجل لتنسيق الجهود والتصدى لهذه الإهانة، وبالفعل وقعنا مذكرة لرئيس الوزراء الدانماركى حينها، وكان «راسموسين»، الذى يرأس حالياً حلف شمال الأطلنطى، وأعربنا عن رفضنا لما حدث، وطلبنا تحديد موعد معه كسفراء للعالم الإسلامى.
* وكيف قابل المسئولون هذه المذكرة وطلب اللقاء؟
- قوبل الطلب بالرفض، وكانت الحجة أن هذه الرسوم تعبير عن الحرية فى الرأى، والحريات جزء من هيكل الدانمارك، وتزامن مع ذلك تصريحات بالغة السوء لرئيسة حزب متطرفة هناك، دعت إلى عزل المسلمين فى جزيرة، لأنهم لا يصلحون للعيش مع بقية البشر، فقمنا بإبلاغ الوزارة، وكان رأى الوزير أبوالغيط هو التصعيد، وأن نأخذ زمام المبادرة فى المحافل الدولية، وأن تقود مصر الموقف الدبلوماسى للعالم الإسلامى، وبالفعل صدرت تعليمات لسفراء مصر فى كافة أنحاء العالم بالتحرك بشكل ثنائى مع حكومات الدول المعتمدين لديها، وأن تكون الرسالة هى «أننا نحترم حرية الرأى ولكن ما حدث يعتبر تعدياً على حقوق الإنسان وازدراء للدين الإسلامى وإيذاء أكثر من مليار ونصف مسلم»، وبالطبع كانت الدانمارك مركز الحدث والتفاعلات، ولكن بالتوازى مع ذلك تحرك مندوبو مصر فى المنظمات الدولية داخل الأمم المتحدة فى نيويورك وجنيف، وداخل منظمة التعاون الإسلامى، وبدأت المواقف الدولية المؤيدة لنا تتوالى، وانتقلنا من موقع الشرح والدفاع إلى موقع القوة فى الموقف، ووضعت الدانمارك تحت ضغط عالمى فقمنا بالوصول إلى درجة جديدة من التصعيد، وهى دعوة العالم الإسلامى لمقاطعة المنتجات الدانماركية، وبالتالى إلحاق تأثير مباشر بمصالحهم، وعند هذا الموقف تغير الحال بشكل كبير.
* ما الذى تغير؟
- طلب راسموسين مقابلتنا بعدما رفض فى البداية، وذهبنا له ونحن فى موقف قوة، وبدأت وسائل الإعلام الدانماركية تطلب إجراء حوارات تليفزيونية معى، ولكن كانت الحوارات تسير على موجة واحدة، هى «أين أنتم يا مصريون من حقوق الإنسان لكى تتحدثوا باسمها وتدافعوا عنها»، ولكن صلابة الموقف الإسلامى وتوحده فى المحافل الدولية والتزام الشعوب الإسلامية بالمقاطعة كان قوياً للغاية، فلم تفلح محاولات الهروب من تهمة ازدرائهم للدين الإسلامى، ولكن مع الأسف لم يستمر الحال طويلاً، حيث قامت مظاهرات فى بعض العواصم الإسلامية اتسمت بالعنف، وشهدت حرقاً لسفارات واعتداءات عليها، فعدنا مرة أخرى لموقف الدفاع بعدما كنا فى موقف الهجوم المنظم، وبدأنا نشرح وجهة نظرنا من المربع الأول، والتعريف بالإسلام وأنه ليس دين عنف.
* هل تعرضتم لضغوط شعبية وقتها داخل الدانمارك؟
- بالطبع، ولكن لا أريد أن أؤجج المشاعر، فالتطرف موجود فى كل مكان.
* وما شكل هذه الضغوط؟
- كانت تكتب عبارات مهينة على جدران السفارة المصرية تحديداً، وأيضاً كان بعض الموتورين يرسلون رسوماً أكثر بشاعة لم تنشر فى الجرائد على أسوار السفارة، وكل ذلك كان بغرض استفزازنا، ولكن كان لدينا تركيز فى تحقيق الهدف الذى نصبو إليه، وهو قيادة موقف دبلوماسى قوى ولكنه منضبط.
* ذكرت أنكم انتقلتم من موقع القوة لموقع الدفاع.. كيف استغل الطرف الآخر هذا التبدل فى المواقع؟
- إزاء موجة الغضب وما صاحبها من عنف، جاءت حجة مناصرة حرية الرأى، فزادت عملية نشر الرسوم، وفى أكثر من صحيفة على مستوى العالم، وليس فى الدانمارك فقط.
* بالانتقال إلى الأزمة الراهنة، ما هو تفسيرك للتباين الواضح بين الموقف والتحركات الدبلوماسية لمصر فى أزمة الرسوم والتعامل مع أزمة الفيلم الأمريكى.. وهل يرجع ذلك إلى أن الخصم الآن هو أمريكا؟
- دعنا نضع الأمور فى نصابها ونكون صريحين مع أنفسنا، كلنا غاضبون من هذا الفيلم، ونتفهم هذا الغضب، ولكن للأسف انفجار الغضب بهذا العنف وتعريض حياة دبلوماسيين للخطر وتهديد بعثات دبلوماسية وقتل سفير أمريكا فى ليبيا، كلها أمور تسببت إلى حد كبير فى تقويض حركتنا، لأننا أصبحنا الآن مطالبين بتبرير موقفنا والتركيز على مسئوليتنا القانونية كدولة، فى حماية البعثات الدبلوماسية، بدلاً من أن نستدعى، مثلاً، سفير أمريكا، أو نعرب عن رفضنا وإدانتنا لما حدث. ومن الواضح أن القائمين على هذا الفيلم أرادوا الوصول إلى هذه النتيجة، وواضح أيضاً أنهم درسوا الانفعالات فى الشارع المصرى والدول العربية جيداً، ووجدوا فى ذلك فرصة جديدة للتأكيد على الصورة الذهنية التى يحاولون توصيلها للأمريكان عن المسلمين منذ أحداث 11 سبتمبر.[Quote_1]
* وهل تعنين أن نستسلم للأمر الواقع ولا يكون هناك رد فعل؟
- أبداً، لكن شكل وطبيعة التحرك تحكم فيه إلى حد كبير الوضع على الأرض، وعلينا هنا أيضاً أن نثمن الموقف المشرف للكنيسة المصرية، وفى تقديرى، يجب على الأزهر والكنيسة أن يكونا جزءاً من أى تحرك مصرى.