"يوسف والي".. 40 عاما في دهاليز السياسة والحُكم.. عمل في صمت ورحل بهدوء
الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الاسبق
شغل العديد من المناصب الحكومية والسياسية الهامة صاحب فيها الرئيس الاسبق محمد حسنى مبارك عشرون عاماً، قبل أن يشغل الرأي العام بقضايا جدلية.
عشرون عاماً أخرى اُتهم فيها صراحة بالتآمر على صحة المصريين ومستقبلهم الغذائي في قضايا برأته فيها المحاكم بدرجاتها المختلفة، ظل خلالها صامتاً صابراً بشكل آثار الدهشة أحياناً والغضب أحياناً خاصة من المقربين منه الذين طالبوه مراراً وتكراراً للرد ودفع ما وصفوه بالظلم الواقع عليه.
يوسف والي لم يكن وزيراً للزراعة فقط بل كان أحد أركان الحكم خلال عشرين عاماً من حكم الرئيس الأسبق تولى فيها أمانة الحزب الوطني الحاكم وقتها، وهو المنصب الأهم، في فترة كانت فيها الحياة السياسية مشتعلة وعلى أشدها، خاصة مع وجود جماعة الإخوان المنحلة ومنافستها للحزب الحكم بجانب العديد من الأحزاب السياسية الكبري، وكان مطلوباً منه اختيار النواب الممثلين للحزب الأقوى للتمثيل في البرلمان، بل كان والي واحدا من المرشحين في الانتخابات في دائرته في الفيوم وكان ملماً بكل صغيرة وكبيرة تحدث في دائرته ويشهد له الجميع بحسن تعامله معه وخدماته بل إن كثير من المقربين يعلمون أنه كان ينفق على الخدمات من أمواله الخاصة وأرضه على الفقراء منهم حتى وفاته اليوم، إلا أنه ونتيجة لصعود جناح لجنة السياسات في الحزب الحاكم تغيرت بوصلة السيطرة على مقاليد الحكم مما عرف إعلامياً وقتها بالحرس القديم "والي ورفاقه" إلى الحرس الجديد الذي كان لا يرغب في العمل مع والي بفكره القديم وسيطرته على مقاليد الحزب، ومن ثم انقلب عليه.
بعيداً عن السياسة فقد كان "النائب" كما يحلو للبعض أن يُطلق عليه داخل وزارة الزراعة لتقلده منصب نائب رئيس الوزراء، عمل بقدر استطاعته ليعزز دور وأهداف وزارة الزراعة وهيمنتها وفرض خططها على الحكومة، وفي عهد "والي" اتسعت رقعة محصول القطن إلى نصف مليون فدان، فوالي الذي كان يعقد اجتماعاً برئاسته مع الوزراء المختصين كان يفرض على وزارة قطاع الأعمال شراء المنتج بسعر ضمان توفره وزارة المالية، كما كان يفرض إرادته لحظر استيراد القطن ليفسح المجال للمحلي، إلا أنه عقب خروجه من الوزارة انهارت زراعة وصناعة القطن تماماً بفضل السياسات المغايرة له حتى تراجع المساحة إلى 32 إلف فدان فقط.
نال "والي" الكثير من الهجوم حيث انتقم منه الإخوان وبعض أجنحة الحزب المنحل واتهموه بسرطنة المصريين بالمبيدات بعد التطبيع الزراعي مع إسرائيل، وهي اتهامات لم تُثبت عليه وبرأته المحكمة في قضايا شغلت الرأي العام كثيراً طيلة عشرون عاماً، إلا أن البعض عاب على "والي" تسليمه مفاتيح الوزارة لبعض المقربين منه في مكتبه من الذين كونوا مراكز قوى وثبت اتهامهم في قضايا فساد لم يكن لـ"والي" أي مصلحة فيها لكنه يتحملها سياسياً، فالمقربون منه يعلمون جيداً زهده وتقشفه وبُعده عن الإغراءات المادية التي كانت تعرض عليه فهو الذي كان يملك 55 فدانا قبل توليه الوزارة في قريته بالنزلة بالفيوم، بيع منهم 10 أفدنة لتلبية متطلبات الحياة التي كانت بسيطة بالنسبة له وتنازل عن راتبه للمحتاجين من ديوان الوزارة.
من بين الاتهامات التي كانت موجه إلى "والي" التآمر على الأمن الغذائي للمصريين، والوقوف أمام الاكتفاء الذاتي من القمح وزراعة الكانتالوب والفراولة والمانجو وغيرها من الفاكهة التي اُدخلت حديثاً للمائدة المصرية، ووفقاً للبيانات الرسمية، لم تزيد المساحة المخصصة لزراعة القمح قبل تولي "والي" الوزارة 1.2 مليون فدان، ارتفعت في عهده الى 2.5 مليون فدان، ثم إلى 3.5 حالياً، فضلاً عن توفير الفاكهة الرخيصة بعد أن كانت فاكهة الأغنياء فقط، ولم لا وهو الذي أضاف 2.5 مليون فدان للرقعة الزراعية خلال عشرون عاماً، وساهم بفكره في إنشاء مناطق جديدة كالصالحية والنوبارية، والإصرار على زراعتها بالري الحديث والفاكهة البستانية.
تسلح "والي" بالصبر والصمت وظل يعمل بجد ودون كلل وهو الذي خصص لنفسه استراحة متواضعة في وزارة الزراعة في مبنى الصوب الزراعية عبارة عن منزل بسيط من طابق واحد كان يبيت فيه دائماً تاركاً شقته المطلة على نيل العجوزة، فقد كرس كل ساعات يومه للعمل وكان يدخل الوزارة السابعة صباحا ويخرج منها في العاشرة مساءاً بعد مغادرة كافة العاملين، كما كان يشرف بنفسه على إزالة التعديات على الأراضي الزراعية بالبناء كل يوم جمعة في محافظة من المحافظات بصحبة المحافظ ومدير الأمن.
لجأ "والي" إلى القضاء في القضية الشهيرة ضد صحفيو حزب العمل الذين شهروا به حسب ما رأت المحكمة في القضية المعروفة إعلامياً بقضية المبيدات المسرطنة، وبعد أن فاض به الكيل وحصل على أحكام قضائية بالسجن في حقهم بعد أن ثبت للمحكمة بطلان ادعاءاتهم، لكن عقب خروجه من الوزارة وتركه منصبه في الحكم جاءت الطامة الكبرى من صديق الأمس الذي كان تلميذاً له وهو المهندس أحمد الليثي وزير الزراعة الأسبق، الذي قيل إن مجيئه كان لأسباب تتعلق بالصراع بين أجنحة الحزب الوطني وقتها، حيث سفه "الليثي" من إنجازات سلفه كثيراً واتهمه علناً بالعديد من الاتهامات التي كانت تروق للكثيرون وقتها، ومن بينها أزمة البطيخ المسموم والملوث بالمبيدات، وإصداره قرار بحظر مبيدات زراعية كان قد أدخلها "والي" وصفها "الليثي" بالمحظورة دولياً، وكان دائماً ما يردد عن نيته لتطهير وزارة الزراعة والضرب بيد من حديد على الفساد وإسقاط الفاسدين اتباع "والي"·
في عام 2005 وأمام إصرار الرأي العام والبعض للنيل منه أصدر "والى" بياناً عن قضية المبيدات المسرطنة جاء نصه :"إن الهجوم الذي تعرض له طويلاً لا يستقيم ولا يصمد أمام حقيقة دامغة هي تضاعف قيمة الصادرات الزراعية أكثر من عشر مرات حيث تبلغ قيمتها الآن 5500 مليون جنيه ولم تكن تتجاوز 500 مليون جنيه في العام 1982 عندما تولى الوزارة"، لافتا الى إن مخاطر الهجوم عليه وعلى عهده تتجاوز الأشخاص الذين يستهدفهم هذا الهجوم لتبلغ حد العبث بالاقتصاد القومي في واحد من أهم مجالات انطلاقه.
أكد "والي"، أن تناول قضية المبيدات اختلطت فيها النوايا الحسنة بدوافع أخرى حسابها عند الله المطلع على السرائر وما تخفي الصدور مما أدى إلى إغراق الرأي العام في متاهات الأكاذيب والزيف التي روجت للعلاقة بين المبيدات المستخدمة في مصر والإصابة بالسرطان.
وأكد أن الشهادات الموثقة من وكالة حماية البيئة الأمريكية تفيد تسجيل جميع المبيدات المتداولة في قضية وزارة الزراعة في بلد المنشأ واستخدامها في الولايات المتحدة وهي أكثر بلدان العالم انضباطا في استخدام مثل هذه المركبات الى جانب استخدامها في أوروبا واليابان، مؤكدا إن وزارة الزراعة لم تخل يوما منذ عام 1982 من هيئة للاشراف على نشاط استخدام المبيدات.
اليوم رحل الدكتور يوسف والي عن عمر ناهز من 89 عاماً في هدوء رافضاً في وصية لأسرته ان يقام له سرادق عزاء، ونعاها المئات من محبيه وتلاميذه ممن عملوا معه وكانوا شهوداً على زهده واخلاصه وحبه للوطن.