ملحمة النصر في ميزان الغناء الشعبي: أصوات من البدو للقنال على السمسمية
صورة أرشيفية لأحد عروض فرقة السمسمية
"هذا الجيش عاد منتصرًا.. هذا البطل له الخلود"، أول نشيد عسكري تغنى به المصريون الفراعنة، في استقبال أحمس بعد هزيمة الهكسوس، من حينها والموسيقى تساند الأبطال المصريين في معاركهم بأناشيد حماسية، كلُ بلهجته وآلاته، حتى تألق المغني الشعبي، في الفترة ما بين حربي أكتوبر 56 وأكتوبر 73، بالتعليق على الأحداث والمشاركة، وبث روح الحماسة وتوثيق بطولات المقاومة وأبطال الحرب.
الأغنية الشعبية إحدى أبرز ألوان التراث الشعبي، تلك القصيدة الغنائية التي يتداولها الناس في الوسط الشعبي، ومن مناطق القتال، كان النص الشعري لا يؤدى إلا غناءً خاصة في منطقة قناة السويس، ليرتكز فيها على رصد وتصوير الصراع المستمر بكل أشكاله ضد النظام والعدوان.
وكانت الأغنية الشعبية في طليعة النضال، لصياغة مغنيها هذه الملاحم في كلمات بسيطة، وألحان حماسية، تحفظ هذه الملاحم من الضياع، وأصبحت السمسمية مدفعا يقاوم، ومؤرخا يؤرخ لهذه الأحداث العظيمة، من بينها أغنية "يا دنيا غني واشجينا"، من كلمات وألحان محمد أبو يوسف.
أبحرت "الوطن" بين قصائد تحولت إلى أغانٍ شعبية، تتنوع اللجهات بين البدوي والصعيدي وأبناء القنال، فبعد حرب 67 تحول المغني الشعبي من خلال أشعاره، وآلة السمسمية إلى مقاتل وفدائي، يحمل مدفعه على كتفه، والسمسمية على يده، يقاتل بالمدفع ويرفع الروح المعنوية بالغناء الحماسي، استنادًا إلى عدة مصادر، وهي الدكتور خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي المساعد، جامعة القاهرة، والدكتور أمين رسمي المدرس المساعد بقسم الأدب الشعبي بأكاديمية الفنون، و3 كتب وهي: "ثقافة المقاومة (دراسات وبحوث)" لمجموعة من الباحثين، يحوي دراسة النص الشعري الشعبي في منطقة القناة وحس المقاومة للباحثين قاسم مسعد عليوة ومسعود شومان، وكتاب "أنغام المدافع.. السمسمية سلاح المقاومة الشعبية" لمحمد الشافعي، وكتاب "بورسعيد أنغام النصر" لكامل عيد ودراسة وتقديم قاسم مسعد عليوة.
من عيون برج الحمام.. بيطل مدفعي
طلقاته في صدر عدوي.. زغرودة في موقعي
بدايات شحذ الهمم منذ وقوع نكسة 67، التي لم تنل من عزم المقاتل، كانت الأغنية "سبّاقة"، خاصة من أهالي القنال المتواجدين على خط النار، وأول من يصيبه ويلات الحرب والتهجير، فتكونت فرق شباب المهجر، التي كانت لها دور كبير في رفع الروح المعنوية في كل أنحاء مصر، خاصة في مواقع الجيش ومواقع الدفاع الشعبي، وأغاني هذه الفرق كانت تنتشر وتذاع فور ميلادها، في كل تجمعات المهجرين دونما تفرقة بين مهجري بورسعيد أو السويس أو الإسماعيلية.
منذ أن لاحت بوادر الحرب في الأفق، أخذ المغني الشعبي في منطقة القناة، يشحذ الهمم بأغنياته من بينها أغنية "طيارة مصر فوق"، مع أول طلعة للطيران المصري في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر، فكان يشدو المغني الشعبي.
لم يكن شعراء الواحات البحرية، بعيدين عن الأحداث التي تمر بها البلاد، شارك بعضهم في الحروب التي خاضتها مصر ضد أعدائها، ومنها حرب أكتوبر المجيدة، حيث رصد دكتور أمين رسمي، في رسالته بعنوان "الشعر الشعبي في الواحات البحرية "، ومصدر النص كان بطاقات الشعراء في الهوامش، أنه رغم بُعد المسافة الجغرافية من أقصى الغرب في الصحراء الغربية، إلى أقصى الشرق في شبه جزيرة سيناء الغالية.
إلا أنهم لم يكونوا بمنأى عن تلك الأحداث الفارقة، لا سيما وأن مصر جسداً واحداً في مكونها الجغرافي والتاريخي والاجتماعي، وأن ظهرت بعض التباينات في أقاليمها نتيجة تنوع روافدها الثقافية، ومن ثَم فقد شارك أهل الواحات البحرية في حرب أكتوبر، وشارك شعرائها الشعبيون في تسجيل هذه الأحداث في نظمٍ شعريٍ من تأليفهم، وتداولوه فيما بينهم يتغنون فيه بهذا النصر العظيم.
قصيدة بدوية أخرى، أشار إليها الدكتور خالد أبو الليل من خلال محاورته لواحد من أبناء قبيلة الرماحي بمحافظة الفيوم، والتي ارتكزت على دور الرئيس الراحل أنور السادات وتدمير خط بارليف ومن أبياتها:
ولم يكن صعيد مصر بمعزل عن الأحداث، وعبر عن مشاركتهم مغني شعبي بورسعيدي، من خلال أغنية شعبية فريدة مصاغة على الطريقة الصعيدية، تعبيرا عن تضامن بناء مصر من أدناها إلى أقصاها، وتمتاز ببعض الطرافة لكي يثير الحماسة في روح زملائه.
ومن بين أغاني نصر 6 أكتوبر 1973 في القنال، أغنية "احنا شباب النصر"، لفرقة شباب النصر ببورسعيد من كلمات وألحان كامل عيد.