لقد تم وضع الدستور فى لحظة وفاق القوى المدنية، وينبغى حفظ الروح الطيبة التى وضعته لخفض مصادر التوتر والخصومة والرفض والصراع التى تعوق العمل والسلام أى القبول والقناعة بالواقع السياسى وعدم التململ منه والعمل والمشاركة دون إحساس بالاضطرار أو الخضوع أو القهر.
إن احترام الدستور يعنى وضع نصوصه موضع التنفيذ لا إعاقتها أو تجاهلها، وينص الدستور على: «يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية»، وقد كانت لجنة الخمسين تدرك تماماً ضعف الأحزاب السياسية الناشئة بعد 25 يناير، التى تعبر عن جميع الاتجاهات، وتدرك أنها بحاجة إلى تهيئة الظروف السياسية والقانونية التى تساعدها، خصوصاً المدنية التى تفتقد المال والمقرات كأماكن للعمل السياسى.
لم يكن هذا غائباً عن بال واضعى الدستور، ولكن الذى وضع قانون الانتخابات البرلمانية الأخير صاغه ليسهم فى تقليص قوة الأحزاب المدنية والخلاص منها وتغليب المتناثر من الأفراد ذوى المصالح غالباً عليها، فعل ذلك ليس فقط بتغليب النظام الفردى (80% من المقاعد)، وإنما أيضاً بجعل القوائم (20% من المقاعد) مخصصة للفئات التى نص الدستور على حمايتها كالمسيحيين والمرأة والمعاقين والشباب والعمال والفلاحين والمصريين بالخارج، وهى فئات يصعب جمعها على أساس سياسى حزبى، مما يعنى أن قائمة بهذا الشكل هى فى حقيقة الأمر نظام فردى يضم عدداً من الأفراد! ثم جعل القائمة الواحدة تمثل عدة محافظات ليتبين قدرة المعاقين والمرأة على الجرى بينها أثناء الدعاية!
عمد القانون بنصوصه إلى تسهيل نجاح أفراد أو جماعات أو أحزاب لأسباب القدرة المالية والعصبيات، كالعائلات الكبيرة أو البلدات ذات التعداد السكانى الأكبر، بينما تختار الأحزاب مرشحيها الأكفأ سياسياً وفكرياً والقادرين على إيصال أفكارها لا أموالهم إلى الناس، وغالباً ما يكون مرشحها بلا مال ولا عصبية وليس مطلوباً منها إخضاع أفكارها، لا للمال ولا للعصبيات.
وبالتالى أعاق القانون اختيار المرشحين على أساس البرامج والأفكار التى تطرح حلولاً لمشكلات الوطن وقلّص مشاركة المواطنين فى التفكير السياسى وفى تنمية القدرات السياسية للشعب، بينما نحن فى حاجة إلى نواب ذوى أفكار وبرامج كثيرة وجديدة تسهم فى الحل، وإن كانوا فقراء أو كانوا لقطاء بلا أسر لا لهؤلاء الذين يزيدون أموالهم ونفوذ عائلاتهم.
كما أن القانون اعتبر الحاصل على الأغلبية المطلقة، سواء فى الفردى أو ما سماه قائمة، نجاحاً، فمن يحصل فرداً أو قائمة على أكثر من 50%، ولو بصوت، يحصل على المقعد، وتهدر بالتالى أصوات الذين حصلوا على الـ50% إلا صوتاً، وهذا تفعيل حقيقى للفردية وإنكار للتعددية التى دعا إليها الدستور واستخفاف بحق ملايين المواطنين فيمن يمثلهم.
لماذا يفعل بنا القانون ذلك؟
فى ظل سلطة البرلمان لاختيار وعزل رئيس الوزراء (شريك الرئيس التام فى الإدارة والتنفيذ) يهدف القانون إلى تقليص نجاح الأحزاب ذات الأفكار الجديدة التى لا يمكنها المنافسة طبقاً للمال والعصبيات لكى لا تؤثر بقوة فى اختيار رئيس الوزراء أو تشكل معارضة قوية ضد الرئيس الذى جاء منفرداً، مما دعا شركاءه كموسى وموافى إلى تكوين هذا التكتل، وربما يسعون خلاصاً لتعديل الدستور نفسه!
لقد هدف الدستور لتوزيع السلطة لا احتكارها أو الاستئثار بها كما هدف للتعددية السياسية والحزبية لا وأدها.
يسعى الدستور لخلق مشاركة وقبول وسلام واستقرار، فلا تخالفوه!