بعد يومين فقط تحل الذكرى الأولى لثورة 30 يونيو 2013، التى أنهت حكم «تنظيم الإخوان الدولى» لمصر.. والأهم من ذلك، أن هذا اليوم المجيد سيتوقف أمامه التاريخ المصرى والعربى، باعتباره لحظة فارقة وحاسمة، قرر فيها العقل الجمعى الواعى للأمة أن يحكم بالنفى والإقصاء والكراهية على «جماعة غامضة» ظلت لأكثر من ثمانية عقود تستخدم «الدين» مطية وتجارة للسيطرة على العقل الجمعى للأمة، وما إن وصلت إلى حكم مصر حتى سارعت بتفكيك مؤسسات الدولة وتقويضها من الداخل والانتشار المكثف والمدروس فى كل مفاصلها وخلاياها، تمهيداً لإزالتها من الوجود فى ضربة واحدة كانت على وشك الحدوث.
فى أقل من عام واحد من حكم الإخوان لمصر، اكتشفنا -كمواطنين لا ننتمى إلى هذه الجماعة- أننا -مسلمين ومسيحيين- على وشك أن نفقد كل شروط المواطنة، وأن الحياة فى هذا البلد تضيق شيئاً فشيئاً أمام الجميع، باستثناء الإخوان الذين سارعوا باحتلال معظم المناصب الإدارية والتنفيذية فى كل الوزارات، وسارعوا إلى تأميم منصب النائب العام -محامى الشعب- لكى يكون أداة رادعة ضد كل من تسول له نفسه الاعتراض أو الاحتجاج على حكم الإخوان، وشاهدنا، لأول مرة فى تاريخنا الحديث والمعاصر، نائباً عاماً يتعبد إلى الله بالكذب علينا، ويراكم حسنات فى لوحه المحفوظ بمكتب إرشاد الجماعة، كلما سجن مواطناً لا ينتمى إلى الإخوان، وكلما تغاضى عن التحقيق مع مجرم إخوانى مارس أحط صنوف التعذيب ضد مواطنين لا ينتمون إلى جماعته الماسونية.
وفى أقل من عام واحد، عشنا أحداث رعب غير مسبوقة فى تاريخنا المعاصر: ميليشيات إخوانية مسلحة ومسعورة تقتحم مقرات الصحف وتحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى، وتضع العشرات من الكتّاب والإعلاميين والقضاة ورجال الدين على قوائم الاغتيالات، وشاهدنا أحداثاً مدبرة فى جامعة الأزهر، تخرج بعدها مباشرة مظاهرات حاشدة تنضح شعاراتها بأخس وأحقر الشتائم لشخص شيخ الأزهر الجليل، ورأينا وزارة العدل تستجيب لضغوط الإخوان وتفتح الباب لتعيين الآلاف من أعضاء هذه الجماعة الغامضة فى كل الهيئات القضائية، وعلى رأسها النيابة العامة، حتى نصحو، خلال عامين على الأكثر، على حصار رهيب مكتمل الأركان: فضابط الشرطة سيكون إخوانياً، ووكيل النيابة والقاضى من الإخوان، والمشرفون على أى انتخابات من الإخوان، وبما أن الكذب لديهم عقيدة، والتزوير حلال، إن كان ضد الأغيار، والغش والخداع تسقط عنهما صفة الحرام، إذا كانا لصالح الجماعة.. واستباحة الدم والمال والعرض تسقط عنها صفة الجريمة، إذا تمت لمصلحة الجماعة، فلن يتمكن مصرى واحد من مغادرة هذه الدائرة الجهنمية إلا بالموت أو الهجرة.
وخلال أقل من عام واحد، اكتشفنا أن الوطن الذى نقدس ترابه ليس أكثر من حفنة تراب عفنة بالنسبة للإخوان -كما قال سيد قطب- وأن الوطنية وثنية، وأن الجماعة التى أعطيناها شرف حكم مصر، تؤمن أن الإخوانى الماليزى أو الباكستانى أو التركى، هو مواطنها الأصيل الذى تهون من أجل مصلحته دماء وأعراض وأموال المصريين جميعاً، ويهون أيضاً من أجله تراب الوطن كله.
وخلال أقل من عام واحد من حكم هذه الجماعة الغامضة، رأينا كيف استهانوا بجيش مصر العظيم، وكيف اجترأ مرشدهم المريب على جيش مصر وجنود مصر، وشاهدنا ممثلهم فى قصر الرئاسة وهو يصدر قرارات جمهورية بالإفراج عن مجرمين وسفاحين سارعوا إلى تشكيل جيش موازٍ من شذاذ الآفاق المرضى عقلياً ونفسياً، ورأينا وقود مصر وسلعها المدعمة وهى تخرج علناً من أنفاق سيناء لتُباع عبر قيادات حماس إلى المراكب العابرة فى البحار والمحيطات، ووقفنا مذهولين أمام تغول الكتائب والميليشيات فى كل شبر من أرضنا دون رادع حقيقى وتحت حماية معلنة من قيادات هذا التنظيم الغامض.
لهذا كله سيظل يوم 30 يونيو 2013 واحداً من أمجد وأعظم أيام مصر فى تاريخها الحديث والمعاصر.. لأنه تجاوز فى الوجدان الجمعى لهذه الأمة حدود الفعل الثورى العادى، وارتقى إلى معنى أكثر قيمة ومجداً من كل ثورات التاريخ.. هو معنى استعادة الوطن من هاوية الانجراف والتفكك والتلاشى.. واستعادة الهوية الجامعة لكل المصريين من خراب التمزق والفوضى وشلالات الدماء، الذى كان قاب قوس واحد من نحورنا جميعاً.
فالمجد لهذا اليوم.. والاحترام الكامل لكل من شارك فيه ولو بصرخة وحيدة: «يسقط يسقط حكم المرشد».