أخطاء «سرايا عابدين» تفتح باب مسئولية المؤلف عن العمل التاريخى
عقب عرض الحلقات الأولى من مسلسل «سرايا عابدين» أثيرت بعض الانتقادات التى تم توجيهها للمسلسل بشأن الأخطاء التاريخية التى وردت به، والمتعلقة ببعض الأحداث ومدى تطابقها مع التواريخ الحقيقية التى حدثت، البعض هاجم المسلسل واتهمه بالمغالطات التاريخية، والبعض برر ذلك بجملة ذكرت فى «تتر» المسلسل بأنه مستوحى من أحداث حقيقية، وبالتالى لا ينبغى الالتزام بالتوثيق التاريخى، ولكن فى النهاية ظهر من جديد جدل حول أحقية مؤلف العمل التاريخى فى الاجتهاد خارج حدود الوقائع التاريخية، وإضافة ما يريد من أحداث فى السياق الدرامى. الكاتب محفوظ عبدالرحمن قال: «إما أن تتصدى لكتابة عمل تاريخى، أو عمل فانتازى يعتمد على التاريخ، والثانى يتيح المزيد من الحرية فى تناول الأحداث ولا ينبغى هنا اعتماده على التوثيق، أما العمل التاريخى، فلابد أن تكون كل أحداثه وتفاصيله موثقة ومدروسة جيداً، بدءاً من الأحداث مروراً بالملابس، وباقى التفاصيل، وهذه عملية مرهقة، وتتطلب الرجوع للوثائق والحكايات والكتابات عن كل عصر تتصدى له فى الكتابة، أما النوع الثانى من الأعمال فقد تم تقديمه على سبيل المثال فى عدد من أعمال الدراما السورية مؤخراً، وهى أن تذكر العديد من الأحداث التى لا علاقة لها بالتاريخ ولكنها تقدم فى ثياب تاريخية ترتبط بعصر معين، وأنا أنظر إلى الموضوع بشكل آخر متعلق بأن التليفزيون مصدر من مصادر التثقيف والتعليم فى عصرنا الحديث، خاصة فى بلد يعانى من غياب الثقافة وضعف التعليم، وبالتالى ما المبرر فى تقديم أحداث تاريخية مغلوطة، فمن حقى ككاتب أن أقدم خطوطاً موازية وأضيف أشياء، لكن ما هو موجود فى التاريخ ومتفق عليه لا يجب أن يتغير، بما فى ذلك التواريخ التى تتطلب تحرى الدقة، فكتابة العمل التاريخى مهمة صعبة جداً والاستسهال فيها ضرر بالعقل والثقافة». الكاتب يسرى الجندى يقول: «التعامل مع التاريخ من خلال الدراما، ينبغى أن يلتزم بما هو جوهرى، مع وجود مساحة من التصرف، خاصة أن التاريخ فى بعض الأحيان لا يأتى بكل التفاصيل حيث يغفل بعض التفاصيل التى تسمح بالتصرف، ولكن هذا التصرف يكون بالقياس على ما هو معلوم من الأحداث التاريخية، حتى يتسق معه، فمثلاً محفوظ عبدالرحمن عندما قدم «بوابة الحلوانى» عن فترة الخديو إسماعيل، التزم بكل ما هو جوهرى فى التاريخ، ولكن مع مساحة من التصرف فى بعض التفاصيل التى تتسق مع الأحداث التاريخية، وبالتالى بات العمل محل مصداقية ولا يزال باقياً حتى الآن فى الذاكرة الوطنية». أما الناقد عصام زكريا فيقول: «طالما أنه لم يقدم عملاً باعتباره تسجيلاً دقيقاً للأحداث التاريخية، فليس من حق أحد محاسبة صانع العمل بحكم التاريخ، خاصة لو كان قد ذكر أنه مستوحى من أحداث تاريخية، حيث يقر أنه عمل غير دقيق تاريخياً، فكيف يتم محاسبته، وتبقى المصداقية فى العمل هى المعيار والمقياس الأساسى الذى يتم عليه تحديد جودة العمل الفنى سواء كان تاريخياً أو مستوحى من أحداث تاريخية، وهذه هى المشكلة الحقيقية فى «سرايا عابدين»، فالدراما غير مقنعة، وكذلك الشخصيات والتمثيل، وأيضاً حالة الأبهة والفخامة تثير الضحك فى كثير من الأحيان، وبالتالى افتقد العمل -من وجهة نظرى- المصداقية بعيداً عن أى تفاصيل تتعلق بالتاريخ».