شادي محسن: مصر راعت حقوق الإنسان كقضية أخلاقية تحتفظ بحدودها السياسية
شادي محسن الباحث في المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
نشر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا لشادي محسن، الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بعنوان: «حقوق الإنسان بين تسييس البرلمان الأوروبي والإدماج الإنمائي في مصر».
وقال الباحث في المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية إن الدولة المصرية راعت قضية حقوق الإنسان كقضية أخلاقية تحتفظ بحدودها السياسية، ولكن غير المُسيسة، وكان ذلك وفق محددات ثابتة، وهي: مراعاة قيم وثوابت الهوية الوطنية المصرية وتبني مبدأ إدماج حقوق الإنسان في المجالات الإنمائية واتباع منهج التدرج في تنفيذ حقوق الإنسان؛ وفقا للإمكانات المصرية، والأولويات التنموية، مراعاة مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وعدم تغليب مجموعة من الحقوق على حساب الأخرى، أي اعتماد الدولة للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
وتطابقت هذه المحددات المصرية مع وثيقتين أساسيتين تعدان الركائز القانونية للميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وهما: «الشِرعة الدولية لحقوق الإنسان International Bill of Rights والتي دخلت حيز التنفيذ في 1976، وتتضمن احترام الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك تقرير حماية خاصة للفئات الإنسانية الضعيفة كالطفل والمرأة والعجائز»، و«وثيقة مكتب السياسات الإنمائية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2012: والتي تقضي بضرورة تطبيق مفهوم إدماج حقوق الإنسان في السياسات الإنمائية، أي أن عدم التركيز على الحقوق المدنية والسياسية فقط دون النظر إلى تمكين المواطن على المستويات الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح الباحث أن وثيقة المكتب الإنمائي استهلت بالقول إن «الصلة بين عمل الأمم المتحدة في المسائل الإنمائية/الإنسانية وعملها في مجال حقوق الإنسان صلة ضعيفة؛ لأسباب سياسية أساسا: فقد أصبحت حقوق الإنسان تكتسي طابعا سياسيا مفرطا؛ إذ جعل بعض الدول تؤكد أولوية الحقوق المدنية والسياسية، في حين أكدت دول أخرى على أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، ويمكن فهم هذا الاقتباس وإسقاطه على الواقع من خلال استدعاء المواقف التي يتم فيها تطبيق العقوبات «الاقتصادية» على الدول النامية من أجل تعزيز مجال حقوق الإنسان، وهو ما يمكن وصفه بمنح أولوية أولى للحقوق السياسية على حساب مجموع الحقوق الأخرى وهو ما وصفه المكتب الإنمائي بـ«تسييس مجال حقوق الإنسان».
وتطرق الباحث لخطوات الإدماج الإنمائي المصري لحقوق الإنسان، موضحا أن مصر سعت في السنوات الأخيرة تطبيق خطة استراتيجية مالية اعتمدت مصادرها على موارد متعددة منها القروض، والضرائب؛ من أجل تمويل المشروعات الوطنية التي تستهدف رفع مؤشر التنمية الإنسانية للمواطن المصري. ربما لا يسع المجال للحديث عن كافتها لذلك يمكن عرض أبرز هذه المشروعات كالتالي:
1- القضاء على العشوائيات: تحت مبدأ سكن كريم للمصريين، بعدما عانى الشعب المصري من ظاهرة انتشار العشوائيات في المدن والأرياف، حسب قوله.
2- مبادرة 100 مليون صحة، بعد أن أدركت الدولة المصرية أن أحد مقدراتها القومية وهو المقدر الديموغرافي يعاني من انتشار فيروس التهاب الكبد الوبائي (C)، وعدد من الأمراض المزمنة مثل الضغط وداء السكري، مما حدا بالدولة لتدشين مبادرة رئاسية لعلاج 100 مليون مصري أي مجموع الشعب، وهو ما قاد مصر لأن تقفز إلى مصاف الدول التي نجحت في القضاء على فيروس سي.
3- خفض معدلات البطالة، وهو المؤشر الذي نجحت فيه مصر حتى في ظل أزمة كورونا المستجد في الحفاظ على معدلات بطالة متدنية بشكل ملحوظ، "حسب رؤية الباحث".
4- تمكين الفئات النوعية، حيث أدرجت الاستراتيجية الوطنية "استراتيجية مصر 2030" الفئات النوعية أبرزها الشباب والمرأة ضمن محور الاندماج والعدالة (المحور الرابع)؛ من أجل تمكين تلك الفئات على المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. وهو ما يتطابق مع ما ذكرته المواثيق الدولة، خاصة فيما يتعلق بالمرأة.
وتطرق الباحث شادي محسن إلى رأي ريتشارد ديكتس، المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر أن مصر تلعب دورًا رائدًا في تغيير الحوار العالمي حول العنف ضد المرأة. بالإضافة إلى القرارات والخطط الوطنية التي تستهدف القضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة في مصر. كما يجدر بالذكر أن مجلس النواب الجديد (2021) سيشهد أكبر نسبة تمكين سياسي للمرأة بنسبة 25%.
وأشار الباحث للأقليات غير مصرية، فعلى مستوى اللاجئين، ترفض مصر توطين اللاجئين في مصر في مجتمعات عزلة مثل المخيمات، بل حرصت على دمجهم ضمن الحياة العامة بكافة سبلها المعيشية. علاوة على أن مصر كفلت التمكين السياسي للجاليات والأقليات غير المصرية في مصر لإقامة نقابات أو كيانات سياسية تعبر عنهم، وذلك في قانون الجمعيات الاهلية لعام 2019، ويمكن القول في هذا السياق، إن الدولة المصرية أولت اهتماما خاصا بالجوانب التنموية التي ترفع من الكفاءة المعيشية للمواطن المصري مع مراعاة التمكين السياسي وليس مجرد كفالة حرية التعبير.
وتناول الباحث الظواهر السلبية للمجال الحقوقي في مصر، حيث اعترفت مصر بسوء العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وأرجعت الأمر إلى المنظمات الحقوقية التي تمارس نشاطها السياسي في مصر، وسارت الرواية المصرية بشأن هذه العلاقة على مرتكزين اثنين:
1- التسييس: وهي الظاهرة التي أشارت إليها المكاتب التابعة للأمم المتحدة، إذ بات مجال حقوق الإنسان يمثل أداة ضغط سياسية للدول الخارجية من أجل إجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات سياسية، ففي الوقت الذي أطلقت جمعيات حقوقية انتقاداتها لتخطيط وسير العملية الانتخابية البرلمانية في مصر، أصدرت البعثة الدولية المشتركة لمتابعة انتخابات مجلس النواب مصر 2020 تقريرها حول مرحلة الترشح، ويأتي ذلك في إطار أعمال غُرفة عمليات البعثة، والتي تتألف من 7 منظمات من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، إلى جانب الشريك المحلي الرئيسي والمتمثل في مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، وأشار المتحدث باسم البعثة الدولية إلى وجود قدر كبير من الالتزام على المستوى التشريعي بالمعايير الدولية لحرية ونزاهة الانتخابات خلال هذه المرحلة، إضافة إلى اتباع أُسس الممارسة الديمقراطية، ومن زاوية أخرى، أثبتت التقارير عمل بعض عناصر تنظيم الاخوان في منظمات حقوقية دولية هم المسؤولون عن كتابة تقارير حقوق الإنسان عن مصر.
الالتفاف على القانون، وهو ما يظهر في سعي كثير من الراغبين في العمل بالنشاط الحقوقي بفتح مكاتب محاماة في مصر ثم تحويلها إلى منظمات حقوقية، وهو عمل مخالف قانونيًا حسب قانون أغسطس 2019 للجمعيات الأهلية، الذي يقضي بالتزام الشفافية في:
1- في خطوات إقامة المنظمة.
2- نشر التقارير والدراسات، وعمل أرشيف لها.
3- مصادر التمويل؛ من أجل مكافحة سبل غسيل الأموال.
كما تطرق الباحث لقراءة في بيان البرلمان الأوروبي الصادر في 18 ديسمبر 2020، موضحا أنه من خلال قراءة تقرير البرلمان الأوروبي الصادر في 18 ديسمبر 2020 ضد وضع حقوق الإنسان في مصر، يمكن استخلاص مجموعة من الإضاءات، فيما يلي:
1- اعتمد تقرير البرلمان الأوروبي على عدة مواثيق دولية، كان من بينها الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. وتعتبر الدول الأوروبية هذا الميثاق نظاما عاما أوروبيا خالصا، وبالتالي يمكن لأي دولة أوروبية أن تتهم دولة أوروبية أخرى بانتهاك حقوق الإنسان حتى ولو لم يكن للدولة المُتَهمة موقف محدد استدعى الاتهام، ويستند هذا الحق الجزافي إلى مبدأ أساسي يقول بأن إثارة مثل هذه المواقف يستلزم معها إثارة الأجهزة الرقابية الأوروبية وبالتالي تنشط الحياة الديموقراطية والحقوقية.
2- كما اعتمد البرلمان الأوروبي في تقريره على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان، وبالنظر إلى ديباجته يتبين أن الميثاق حرص على ضرورة اعتبار الحقوق المدنية والسياسية مرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي يلتزم الميثاق الافريقي بمبدأ الإدماج الإنمائي لحقوق الإنسان.
3- وهو ما لم يلتزم به البرلمان الأوروبي عند تقديمه للحقوق المدنية والسياسية كأولوية أولى مقدمة على التمكين الاقتصادي والاجتماعي، ظهر ذلك في توصيته بتطبيق عقوبات اقتصادية على مصر قد تضر بالخطط التنموية التي شرعت بها. ولذلك يمكن القول إنه إخلال بمبدأ الإدماج وبالتالي تسييس لمجال حقوق الإنسان.
4- يخرق تقرير البرلمان الأوروبي أحد أهم محددات مصر بشأن مجال حقوق الإنسان وهو الحفاظ على ثوابت وقيم الهوية الوطنية، عند إشارته بأن على أوروبا أن تقدم الدعم السياسي لحقوق المثليين في مصر.
5- اتهم البرلمان الأوروبي مصر بالإخلال بحقوق المرأة، وهو ما لا يعكس واقع التطورات في ملف تمكين المرأة المصرية وفق استراتيجية مصر 2030، واستراتيجية تمكين المرأة المصرية 2030، علاوة على أن ريتشارد ديكتس، المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر أكد على أن مصر تلعب دورًا رائدًا في تغيير الحوار العالمي حول العنف ضد المرأة. إذ أقرت مصر قانون إخفاء هوية المجني عليها في قضايا التحرش من أجل الحفاظ على كرامتها.
6- يوصي البرلمان الأوروبي بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وهو ما يتنافى مع منطق المفاهيم التقليدية لحدود أمن وأمان المواطن في بلده، لا زالت مصر تعاني كما تعاني بعض الدول الأوروبية كذلك من أنشطة الإسلام السياسي الإرهابية وأثرها التدميري على النسيج المجتمعي والشعور بالأمن، لذلك ليس من المنطقي إلغاء المظلة القانونية التي تعتمد عليها مصر في حفظ وضبط الاستقرار، كذلك ينصرف الحديث على قانون الجمعيات الأهلية الذي يوصي البرلمان الأوروبي بإلغائه، في حين:
- يكفل القانون إلغاء عقوبة الحبس لأعضاء الجمعيات الأهلية في حال ارتكاب المخالفات، والاكتفاء بالغرامات المالية.
- يكفل القانون تمكين الأقليات الأجنبية سياسيا في مصر.
- يكفل القانون للجمعيات الأهلية إلزام الدولة بدعمها ماليا من خلال إنشاء صندوق مالي؛ لضمان عدم تعثر بعض الجمعيات ومن ثم غلقها.
- الالتزام بالشفافية من الجانبين أي من جانب الدول والجمعية الأهلية، وخاصة في عمل أرشيف للدراسات التي يتم نشرها.
- عدم انخراط الجمعيات الأهلية في نشاط سياسي يتقاطع مع عمل الأحزاب والنقابات، أو نشاط ديني.
ولفت الباحث شادي محسن إلى أنه لم تصدر بعد اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية، وهو ما يدفعنا بالقول إن المطالبة بإلغاء القانون يبدو أنه استهداف للقانون ذاته، وليس من أجل لفت النظر إلى بعض الممارسات السلطوية، فعلى سبيل المثال راعت الدولة المصرية تعديل قانون الحبس الاحتياطي في أكتوبر 2020، وهو تدشين أولى مراحل تنفيذ مشروع النظر عن بعد في أوامر الحبس الاحتياطي، إذ تتيح للقاضي الاتصال مباشرة بالمتهم المحبوس احتياطيًا بحضور محاميه، عبر دائرة تليفزيونية مغلقة ومؤمنة، بما يمكن المتهم من إبداء كل أوجه دفاعه عند النظر في أمر إخلاء سبيله أو استمرار حبسه، دون الانتقال إلى المحكمة. وهو ما وصفته اللجنة العليا لحقوق الإنسان كونها تعزيزًا لحقوق المحبوسين احتياطيا، حسب وصف الباحث.
وتناول الباحث إتاحة وزارة الداخلية لمنظمات حقوق الإنسان الدولية (مثل منظمة هاندز أوف كاين الإيطالية) لزيارة السجون والوقوف على الوضع الصحي والغذائي والرياضي للنزلاء. وهو ما يدحض على نحو أو آخر ادعاءات البرلمان الأوروبي التي لا تستند على دلائل أو أرقام بإصابة النزلاء في السجون المصرية بفيروس كوفيد-19، بالإضافة لقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في عام 1988، والذي أجاز للمجلس أو الهيئات المناقشة لوضع حقوق الإنسان الاستماع لتقارير منظمات غير حكومية وملاحظتها حول الوضع المعني بالمناقشة. وهو ما يدفع بالقول إن المنظمات الدولية التي حضرت إلى مصر لدراسة الوضع الحقوقي في السجون، أو لقياس نزاهة الانتخابات وخرجت بملاحظات إيجابية لم يتم النظر إلى ملاحظتها، وهو ما يعد أحد مظاهر التسييس كذلك.
واختتم الباحث مقاله قائلا: "يمكن القول إن مصر لا تمنح أولوية مطلقة لمجموعة من الحقوق على حساب مجموعة أخرى، تحت مبدأ التدرج في تقرير الحقوق حسب الاحتياجات والإمكانات الذي يتفق مع مبدأ إدماج حقوق الإنسان مع المقتضيات الإنمائية".