الأب بندليمون و الشيخ حسين
15 سنة هي فترة علاقة الصداقة بين أحد المشايخ والقساوسة في محافظة دمياط، حيث جمعت بينهما المحبة طوال هذه الفترة، إلى أن أصيب إمام المسجد بفيروس كورونا، الذي أودى بحياته، تاركاً صديقه وحيداً، الذي اعتبر أن الفيروس المستجد خطف منه أخاه الأكبر وسنده.
لم يكن يمر أسبوع إلا وتواجد كل من الشيخ "حسين عيطة"، إمام مسجد "أبو عصية"، في دمياط، بصحبة رفيقه "الأب بندليمون بشري"، كاهن كنيسة الروم الأرثوذكس، كانا يحرصان على أن يكونا يداً بيد في الأفراح والأحزان، ولم يتركا فرحاً أو جنازة أو أي مناسبة إلا وكان يحضراها سوياً.
في أعياد المسيحيين، كان الشيخ المسلم يتسابق لتقديم التهاني لرفيق دربه، بل ويساعده في تجهيز قاعة الاحتفالات بالكنيسة، وفي أعياد المسلمين كان القس المسيحي سباقاً أيضاً، الأمر الذي لفت أنظار أبناء دمياط، الذين كانوا يضربون المثل بعلاقة الصداقة بين "الشيح حسين"، وصاحبه "الأب بندليمون".
روى كاهن كنيسة الروم الأرثوذكس لـ"الوطن" قصة علاقة الصداقة التي جمعته مع إمام المسجد، بقوله: "بدأت علاقتنا منذ 15 سنة، خلال اجتماع حضرناه معاً في إحدى المدارس، حيث شعر كل منا بأن هناك أشياء مشتركة بيننا"، وتابع بقوله: "جدت فيه الصادق الأمين، صاحب الرأي السديد والحكمة، فبدأت علاقتنا منذ ذلك الحين".
وأضاف الأب بندليمون، وقد ارتسمت علامات الحزن على وجهه قائلاً: "لم أكن أعلم أنه سيتركني يوم عيدنا، فقد كان في مثل هذا اليوم يسبقني إلى الكنيسة، لتجهيز طقوس الاحتفال كعادته كل عام، آخرها العام الماضي، حيث حضر إلى الكنيسة مبكراً لاستقبال المحتفلين، وتجهيز القاعة لاستقبال الضيوف، كما أشرف على كل شيء".
واستطرد بقوله: "الشيخ حسين عيطة كان رفيق عمري، كنا نحرص سوياً على تبادل الزيارات، بحد أدنى 3 مرات أسبوعياً، إما في المسجد أو في الكنيسة، وكنا نحرص على حضور جميع المناسبات، سواء كانت حزينة أو سعيدة، فلم نكن نترك فرحاً أو جنازة إلا ونذهب سوياً، لم يفرق بيننا دين، فقد جمعتنا المحبة وحب الخير والإنسانية".
ووصف القسيس المسيحي صديقه الإمام المسلم بأنه كان "ملاكاً يسير على الأرض، كان خير مثال على سماحة الدين الإسلامي، بتعاملاته ومحبته للجميع، وقد تعلمت منه الكثير من الصفات، مثل الصبر وعدم الانفعال على أبسط الأمور، وأن أصعب المشاكل تحل بالعقل والصبر، كنت أرجع إليه في أي مشكلة".
وتابع بقوله: "الشيخ حسين لم يكن صديقي فحسب، بل كان بمثابة شقيقي الأكبر، وكاتم أسراري، فقد كان يكبرني بنحو 12 سنة، وكان يمتلك الكثير من الخبرة في الحياة، وكثيراً ما استفدت من معاملته للناس، وحبه للآخرين، وكنت أحرص على تنفيذ توجيهاته التي دائماً ما كانت سديدة".
وعن العلاقة بين أسرتيهما، قال "بندليمون" إن "الشيخ حسين كان يعتبر زوجتي بمثابة ابنته الكبرى، وأولادي أولاده وأحفاده، أما أبناؤه فكانوا يعتبرونني عمهم، وكان دائماً ما يقول لهم: أنتم عندكم أبونا بندليمون، ده أبوكم الثاني، كما كانت ابنته، وهي طبيبة تعمل بالخارج، على اتصال دائم بي للاطمئنان علي والسؤال عن أحوالنا".
وعن لقاءاتهم في الإجازات، قال إنهما كانا يخرجان معاً في العديد من المناسبات، واعتادا تناول الطعام معاً في أحد المطاعم بمنطقة "الجربي"، كما كانا يقضيان معاً أوقاتاً طويلة في الاستمتاع بالهواء الطلق على كورنيش رأس البر.
ولفت إلى أن آخر لقاء جمعه مع "الشيخ حسين"، كان قبل أسبوع من وفاته، حيث قام بزيارته في منزله للاطمئنان عليه، وبعد أيام اتصل به زوج ابنته وأبلغه بأن الشيخ مصاب بفيروس كورونا، وعلى الفور، أسرع إليه بعد نقله إلى مستشفى الحميات، ولكنه فوجئ بعدم وجود مكان، ليتم نقله إلى مستشفى الصدر، حيث تم احتجازه في غرفة العناية المركزة، ولكن تدهورت حالته سريعاً، وتوفى بعد يومين من دخوله المستشفى.
واختتم "الأب بندليمون" تصريحاته لـ"الوطن" بقوله: "بوفاة الشيخ حسين حسيت إن حاجة مهمة جداً في حياتي راحت مني، سندي النهاردة راح، رغم إن عيدنا يوم الجمعة، أنا مش عيدت على حد، ولا احتفلت، كان لازم أدفن أخويا وعشرة عمري وأستره"، متابعاً: "ده خيره وأفضاله و جمايله علي لا تعد ولا تحصى".
وتوفيى "الشيخ حسين عيطة"، الإمام السابق لمسجد "أبو عصية"، أمس الجمعة، عن عمر يناهز 70 سنة، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، بعد يومين من احتجازه في غرفة العناية المركزة بمستشفى الصدر.
تعليقات الفيسبوك