هل أخطأ حكام مصر فى تعميق فكرة المجتمع الأبوى داخل المصريين من عهد «عبدالناصر» فاعتدنا أن تتكفل الدولة بهم، أم أن حق المواطن هو الحياة الكريمة طالما عجزت الدولة أن توفر له التعليم الجيد الذى ينتج وعياً حقيقياً وفكراً إيجابياً؟
هل بالدعم وحده يحيا الإنسان؟ وهل بإلغاء جزء من الدعم يموت ويحيا الندب على الفقراء ممن ليسوا منهم وممن ينتظرون تعكير المياه ويحولون أى شىء إلى جنازة؟
ولأن التساؤلات كثيرة ولأن الأسئلة وحدها ترى فهل كان التوقيت الذى اتخذت فيه هذه القرارات خطأ أم أن كل توقيت لسحب أى امتيازات من الناس هو بالضرورة خطأ؟
هل كان يجب أن يرى الناس أفعالا إيجابية واضحة أولاً قبل هذه القرارات؟ لماذا خاف الجميع منذ محاولة «السادات» عام 77 خفض الدعم ومن وقتها لم يقترب أحد وجرؤ «السيسى» على ذلك؟
لم يقدم نفسه وشعبيته، لكنه قدم الوطن..
تقدير الخبراء يؤكد أنه لو تمت محاولة «السادات» عام 77 لكان نصيب الدولة توفير أكثر من 600 مليار جنيه، كانت كفيلة بالتغيير الجذرى لمصر وبناء قاعدة صناعية وإنتاجية تجعل لمصر مكاناً يليق بها.
الاستمرار فى الدعم يعنى الاستمرار فى دعم القادرين أكثر من الوصول إلى محدودى الدخل وتوفير الطاقة بأسعار رخيصة تسمح لقطاعات مثل الحديد والأسمنت والسيراميك والأسمدة بالحصول على طاقة رخيصة مدعمة، بينما تم بيع هذه المنتجات بالأسعار العالمية وحقق أصحابها أرباحاً خيالية وبقى محدودو الدخل على حالهم أو ازدادوا فقراً.
ما فعله «السيسى» هو الدواء المر والشر الذى لا بد منه؛ فقد اختار الطريق الأصعب ولكن عليه المحافظة على الفقراء ومحدودى الدخل حتى لا يقعوا فى الطريق؛ فهؤلاء لا بد أن يكونوا على قائمة خارطة الطريق، والحد الأدنى للأجور أُقر فى حكومة «الببلاوى» وما زال خارج خدمة التنفيذ؛ فهو أحد الحلول وإن كان ليس كافياً.
الدولة والحكومة لا بد أن يكون لديهما مخزون لجميع أنواع السلع الاستراتيجية بأسعارها دون زيادة، فتقضيان على جشع واستغلال التجار؛ فالمجمعات التموينية وطرح الجيش المواد الغذائية ليست حلولاً كافية.
البسطاء من الناس قد يتفهمون الاضطرار إلى تجرع الدواء المر ولكنهم طامحون إلى الحدود الدنيا من الحياة الكريمة، وهذا حق لهم.
إذا كان «السيسى» قد اختار الطريق الأصعب فلم يرتضِ بمبدأ «احيينى النهارده وموتنى بكرة» ولم يرتضِ بفكرة «إذا أعطيتنى سمكة أطعمتنى يوماً واحداً»، ولكنه اختار مبدأ «إذا علمتنى الصيد أطعمتنى كل يوم».
الدولة عليها مسئولية رقابة يقظة وقانون صارم لضمان عدم الاستغلال والتلاعب وإيجاد حلول غير تقليدية للانتصار على الفقر.
هذا واجب الدولة على الشعب، أما واجب الناس تجاه بعضهم البعض فهو محاربة المتاجرة والاستغلال بجميع أشكاله، والمجتمع لا بد أن يساعد نفسه ويصحح أخطاءه ويتطهر من خطايا الفساد الذى استشرى فيما بيننا بسلوكياتنا اليومية وتعاملنا مع بعضنا البعض، الغنى يأكل الفقير والفقير يأكل الأفقر منه والقوى يدمر الضعيف والغش هو القاعدة وأنا ومن بعدى الطوفان يسيطران على الجميع من كل الطبقات حتى الطبقات البسيطة، ولنا فيما فعل السائقون مثال؛ فهم يضاعفون الأجرة ويقهرون الراكب ولكن من يبِع المنتجات الغذائية يقهر الجميع؛ فهى دائرة جهنمية قائمة على الانتهازية من الجميع للجميع، ونحن جميعاً أطراف فى هذه الدائرة.
مصر كانت تواجه عدواً واضحاً ومعلوماً فى حروبها العسكرية، لكنها تواجه الآن حروباً داخلية وخارجية معلومة ومجهولة.
إذا كان «السيسى» قد اختار أن يبنى فالبنّاءون يستغرق عملهم أعواماً، لكنهم فى النهاية ينجزونه، واختار أن يزرع والزارعون يصمدون فى وجه العواصف وكل ما فى المواسم من تقلبات؛ فعلى الناس أن تعلم أن كل نبتة طيبة وإيجابية تحمل فى فعلها بناء وطن بأكمله.