أيام العطش فى القاهرة الجديدة
ما بين صيحات تعالت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر»، وشكاوى عديدة وجهت بشتى الطرق إلى الشركة القابضة لمياه الشرب والمسئولين فى جهاز القاهرة الجديدة والخط الساخن لمجلس الوزراء، وصل الحال بسكان التجمع الثالث والأول والخامس إلى اليأس من حل مشكلة انقطاع مياه الشرب عنهم، التى وصلت ذروتها قبل أيام من شهر رمضان، بعض السكان حملوا أمتعتهم ونقلوا إقامتهم لدى أقاربهم بعيداً عن المنطقة بأكملها، والبعض الآخر لم ييأس بعد من اللجوء للمسئولين للبحث عن حقهم فى مياه شرب تمثل لهم الحياة، خاصة بعد أن وصل معدل انقطاع المياه إلى أكثر من 18 ساعة يومياً. عند مداخل إسكان الشباب بالتجمع الثالث بالقاهرة الجديدة، يقع جامع الصحابة. وقف المؤذن داخل الجامع ليرفع أذان الظهر، توجه المصلون لدورات مياه المسجد للوضوء فإذا بأحد العاملين يوجه المصلين إلى الوضوء من زجاجات المياه أو فى منازلهم إذا وجدوا، وقف شاب عشرينى داخل حديقة المسجد وإلى جواره زوجته تصب له من زجاجة مياه ليتوضأ. ما فعله المهندس محمد محمود هو الحل الوحيد، من وجهة نظره، الذى يلجأ إليه مراراً كلما توجه للصلاة فى المسجد. بتهكم واضح يجيب محمود عن سؤال «الميه بتقطع كام ساعة فى اليوم؟» قائلاً: قولوا الميه بتيجى كام ساعة فى اليوم؟، لأنها فى النهاية لا تتعدى 4 ساعات أو ساعتين فى بعض الأيام».
جدول يكاد يكون ثابتاً اتفق عليه عدد من سكان التجمع الثالث حول مواعيد انقطاع المياه، تحدث عنه بمرارة شديدة أبوشريف، أحد السكان، قائلاً «من 10 صباحاً لبعد العصر مفيش ميه، وبتيجى قبل الفطار بساعة واحدة تقريباً، وتقطع تانى وقت المغرب لحد الساعة 8، وتيجى ساعة كمان وتقطع تانى، وأخيراً قبل الفجر بساعة، وتقطع تانى من أذان الفجر حتى العاشرة صباحاً». الجدول الذى يصفه أبوشريف بالـ«مأساوى»، أن تكون المياه متوافرة 4 ساعات فى اليوم فقط من إجمالى 24 ساعة.
لم يكد محمد طارق ينتهى من الصلاة فى المسجد، حتى وقف يشكو معاناة زوجته اليومية مع غسيل أطباق السحور والإفطار «كل يوم نجمع مواعين اليوم بأكمله، وبعد صلاة التراويح نتوجه إلى منزل والدة زوجتى فى عين شمس، من يرضيه هذا الذل اليومى الذى نعانى منه منذ ما يقرب من شهرين؟ بدأ الأمر بقطع المياه من 6 إلى 8 ساعات يومياً، ثم تدرج إلى الأسوأ حتى وصلنا قبل رمضان بعشرة أيام إلى انقطاعات تصل إلى 18 ساعة، بعضنا ينزل من بيته دون غسل وجهه».[SecondImage]
وبينما يتحدث خليل إبراهيم عن مشكلة عدم وصول المياه إلى الطابق الثالث حيث محل إقامته، لأن ضغط المياه بسيط لا يصل للأدوار المرتفعة، يقاطعه شاب عشرينى مؤكداً أنه يسكن فى الدور الأرضى ولا يرى المياه إلا 3 أو 4 ساعات فقط فى اليوم، وليس كما يظن البعض أنهم لديهم المياه طوال اليوم. اتهام واحد تكرر على ألسنة سكان التجمع الثالث، وهو نفسه الذى يردده سكان القاهرة الجديدة، كلما تكررت أزمة انقطاع المياه فى فصل الصيف، وهو الإشارة إلى الأسوار العالية التى تحجب خلفها فيلات فخمة لمنطقة الجولف والقطامية وأرابيلا، ثلاث مناطق أشار إليها بعض السكان، وهم يؤكدون عدم انقطاع المياه عنها، رغم وقوعها فى الحيز الخاص بمياه الشرب القادمة للقاهرة الجديدة بأكملها، كلمات يكررها محمد صلاح، أحد السكان، مشيراً لشهادة أحد عمال الحدائق فى داخل «الجولف»، الذى أخبره أن المياه لا تنقطع هناك ولو لساعة واحدة، وأن المشكلة الرئيسية فى الصيف هى سحب كميات كبيرة من المياه لملء خزانات المنتجعات الثلاثة، وكذلك حمامات السباحة، مشيراً إلى وجود تفرقة طبقية تجعلهم محرومين من المياه طوال ساعات الليل والنهار، بينما يتمتع بها آخرون وببذخ شديد.[FirstQuote]
وبعيداً عن الشكاوى النظرية، واجه بعض المترددين على مسجد شهداء الإسلام بالتجمع الثالث المشكلة بشكل عملى، حيث يجتمع عدد من سكان المنطقة بعد كل صلاة لبحث طرق حل انقطاع المياه، فى اجتماعات يترأسها الحاج صباحى عبدالفتاح، مهندس سابق بـ«المساحة»، حيث قاموا بجمع مئات التوقيعات لرفع شكاوى بأسماء المواطنين وبياناتهم كاملة وتوضيح حجم الضرر الواقع على عدد كبير من غياب مياه الشرب، يقول الحاج صباحى «مشكلتنا مع المياه متكررة كل عام، ولكنها زادت عن حدها فى الشهر الأخير، بعد أن كانت تقطع فترة الليل حتى صلاة الفجر، على اعتبار أننا لن نشعر بمشكلة فى ساعات الليل المتأخرة، ولكن ازداد الأمر سوءاً كل أسبوع عما قبله، وأخيراً وصلنا فى رمضان إلى ارتفاع ساعات انقطاع المياه لتصل من 18 إلى 20 ساعة يومياً، بالإضافة إلى انقطاعها فى الأدوار المرتفعة ليومين متتاليين». وبصفته أحد المهندسين الذين تولوا الإشراف على مشروع إسكان القاهرة الجديدة قال صباحى: «تم التخطيط فى البداية لأن تكون القاهرة الجديدة منطقة خاصة ببلوكات سكنية فقط، وعلى هذا الأساس تم توصيل المياه التى تكفى لعدد معين من المساكن التى تم عملها للشباب فقط، ولكن بمرور الوقت تم بيع أجزاء منها لمناطق فيلات أو إسكان خاص، انتظرنا تشغيل محطة توزيع القاهرة الجديدة منذ 2010، ولم يتم حتى الآن، بسبب ما عرفنا أن هناك خللاً فى بعض مواسير التغطية، حال دون تسلم الشركة القابضة لها لمخالفتها المواصفات القياسية المطلوبة».
يضيف محمد كامل دسوقى، أحد السكان، إلى ما قاله صباحى أنهم كسكان يدفعون فواتير المياه بشكل موحد، أى أن الساكن فى الطابق الأرضى يدفع نفس الفاتورة التى يدفعها الساكن فى الطابق الرابع، قائلاً «الشركة تتعامل معنا بنظام الفواتير الموحدة، لأنها إذا حسبت كم المياه التى تصل إلينا لن يأخذوا منا قرشاً واحداً، فى البداية كانت قيمة الفاتورة تتراوح بين 25 إلى 29 جنيهاً لكل بيت، الآن وبعد الانقطاعات المستمرة وصلت إلى 45 جنيهاً دون أدنى سبب».[SecondQuote]
وفى محاولة لحل المشكلة بشكل عملى، قرر بعض السكان شراء خزانات يتم تثبيتها فوق أسطح العمارات، ولكن الخزانات لم تفلح فى كثير من الحالات، وفقاً لما قاله محمد عبدالماجد، أحد سكان التجمع الثالث، حيث رفض جهاز المدينة طلبات المواطنين بتركيب خزانات، بدعوى الحفاظ على الشكل الجمالى للمساكن، بالإضافة إلى عدم تحمل بعض البنايات إنشاء غرف أسمنتية للخزانات.
وما بين جهاز القاهرة الجديدة، والشركة القابضة لمياه الشرب، وجه السكان شكاواهم، إما تليفونياً أو بالتوقيعات المجمعة للبحث عن إجابة واضحة عن أسباب غياب المياه، الأمر الذى شاركت فيه صابرين محمد، إحدى العاملات فى حضانة خاصة بالتجمع الثالث، وقالت «فى الحضانة نقوم بتخزين المياه قدر المستطاع للعمل بها خلال ساعات حضور الأطفال، ولكن تظل الكارثة قائمة خاصة عندما أعود لمنزلى، وأجد الغسيل والأطباق غير النظيفة تملأ المطبخ والمياه لم تأت بعد».
من إسكان الشباب بالتجمع الثالث إلى منطقة النرجس اختلف المستوى الاجتماعى ولم تختلف الأزمة، انقطاعات مستمرة لمياه الشرب، إحباط شديد انتاب بعض السكان، خاصة بعد اجتماعهم مع بعض مسئولى الجهاز وشركة المياه، وهو الاجتماع الذى تحدثت عنه «علياء على»، إحدى السكان، وقالت «عرضنا مشكلة النرجس على السيد المهندس المسئول عن شبكات المياه وقال إنه كان من المفترض تشغيل محطة القاهرة الجديدة فى 2010، ولكنها لم تعمل حتى الآن بسبب أوضاع البلد -على حد قوله- وبعض المشكلات الفنية فى مواسير المياه بطول 2600 كيلو متر، التى وصلت تكلفتها لـ2٫5 مليار جنيه، وأن المكان يحتاج إلى أكثر من 150 ألف كيلو متر مكعب من المياه، أكثر من الكميات الموجودة حالياً، وأن هناك محطة رفع تم عملها لسكان التجمع الثالث والنرجس، وهو ما لم يشعر السكان بوجوده من الأساس لاستمرار الانقطاعات، لأن هناك اختلافاً فى منسوب ارتفاع الأرض يعيق توزيع المياه بشكل جيد، وأن انخفاض مستوى الأرض بالقطامية هايتس والجولف هو سبب توافر المياه بها على مدار الـ24 ساعة، وفى النهاية، وعدنا المسئولون بحل المشكلة قبل 30 يونيو، وانتظرنا ولم يتغير شىء».[ThirdImage]
نهى محمد، من سكان النرجس، اضطرت إلى ترك منزلها، والبقاء فى منزل والدتها، بسبب انقطاع المياه المستمر، خاصة أن محاولات تخزين المياه فى «البانيو» وزجاجات وجراكن كبيرة لم تجد نفعاً مع استمرار الانقطاعات، خاصة أن مخزون المياه الذى توفره ينفد قبل أن يحين وقت وجودها فى صنابير المياه، على حد قولها. الحى الرابع بجوار مبنى جهاز القاهرة الجديدة لم يسلم من مشكلة المنطقة، حيث قال محمد أحمد، أحد سكان المكان، إن المياه توجد ساعتين فقط يومياً، والمشكلة الأكبر أنه فى بعض الأوقات تكون الساعتان إحداهما أثناء النوم فلا يمكن الاستفادة منها، أو أثناء الإفطار، حيث تقوم زوجته تاركة الإفطار لتغسل ما تستطيع قدر الإمكان من الأطباق والملابس.
جانب آخر عرضه بعض العاملين فى القاهرة الجديدة، وهو تأثر عمال النظافة بانقطاع المياه، بما يؤثر على مصدر رزقهم، حيث إنهم يقومون بدورهم فى غسل سلالم البيوت فى إسكان الشباب، وفقاً لتعاقد شركتهم مع الجهاز، ولكن مع انقطاع المياه توقفوا عن العمل تماماً وفقدوا مصدر رزقهم منذ ما يقرب من شهرين، جلس عدد منهم فى أحد المساجد وبجوارهم أدوات الشغل «الممسحة والجردل»، مشكلة رواها خميس عبده قائلاً «شركتنا تعطينا راتباً قدره 600 جنيه شهرياً، ولكن فى شهر رمضان يتعاملون معنا بنصف أجر، لأن جهدنا فى الصيام لن يعادل الجهد اليومى فى الأيام العادية، وبالطبع نستكمل رواتبنا بما يعطيه لنا أصحاب البيوت فى كل مسحة سلم، ولكن مع انقطاع المياه أصبحنا مثل العاطلين، رواتبنا 300 جنيه شهرياً، ولا توجد أى زيادات لعدم قيامنا بمسح السلالم، كلما توجهنا إلى منزل، رفض أصحابه إعطاءنا مياهاً من المخزن لديهم بالطبع لاحتياجهم لها».[ThirdQuote]
من جانبه قال العميد محيى الصيرفى، المتحدث الإعلامى للشركة القابضة لمياه الشرب، إن أزمة القاهرة الجديدة تكمن فى نقص كمية المياه التى يحتاجها السكان، وليس من انقطاع المياه بها من قبل الشركة، وذلك بسبب تأخر دخول بعض المشروعات الخدمة الفعلية لمنع العجز، وأضاف «لمشاكل فنية بحتة لم تدخل محطة القاهرة الجديدة للمياه حيز التشغيل، فأصبح عندى عجز فى كمية المياه الموردة، وبدأنا فى عمل مناوبات للمحطات الموجودة، طرحنا فكرة الحصول على مياه من محطة العبور لتصل للقاهرة الجديدة، فهناك لدىَّ 600 ألف متر مكعب جاهزة للخروج من العبور، وسيادة الوزير يبحث هذا المشروع حالياً، وفى انتظار تصديقه عليه لعمل خط يأخذ مياهاً من العبور تنهى المشكلة، دون أن تؤثر على دورها الأساسى بتوصيل المياه إلى العبور والشروق وبدر، لأن المحطة وصلها 120 ألف متر مكعب زيادة حتى إن بعض المواسير تتكسر من شدة ضغط المياه هناك، هذا المشروع يمكن أن ينتهى خلال شهرين»، يضيف الصيرفى «ما يصل فعلياً إلى القاهرة الجديدة ما يقرب من 420 ألف متر مكعب مياه، منها 150 ألف متر مكعب للمبانى الجديدة والموجودة تحت الإنشاء للعمران الجديد، بالطبع لو كانت فى خدمة المنازل لن نحتاج مزيداً من المياه، ولكن بالوضع الحالى نحتاج على الأقل إلى 120 ألف متر مكعب زيادة على الكمية الموجودة».
وعن مشكلة المحطة الجديدة التى لم تدخل الخدمة منذ 2010 كما كان مقرراً لها، قال الصيرفى «كان من المفترض أن تخدم المحطة المكان بأكثر من 175 ألف متر مكعب مياه ولكنها لم تدخل بعد، والوزارة اتخذت إجراءات رادعة فى الأيام الماضية بسبب مشكلة تلك المحطة، منها سحب المشروع من شركه أمسول المعنية بـ«اسكادا سيستم» المشروع، أو تنفيذ المشروع بشروط محددة وضعتها الوزارة، بالإضافة إلى تحويل القصة بأكملها إلى التحقيقات للوقوف على أسباب تأخير التشغيل، التى يحقق فيها الوزير بنفسه، كما تم تحويل المخطئين فى المواصفات الفنية للمواسير وغيرها إلى النيابة للتحقيق معهم، واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة». وبسؤاله عن الاتهام الموجه لوجود المياه فى الجولف والمناطق الأخرى ذات الطابع الخاص وعدم انقطاع المياه بها، قال الصيرفى: «الكلام ده غير صحيح على الإطلاق، والدليل على ذلك أن كل القاهرة الجديدة تنقصها كمية المياه على حد سواء، ولكن المشكلة الأساسية هى أن هناك مناطق منخفضة تندفع فيها المياه بشكل جيد، ومناطق أخرى مرتفعة يقل فيها ضخ المياه».
الأمر نفسه أكده المهندس علاء عبدالعزيز، رئيس جهاز القاهرة الجديدة، مشيراً إلى أن المشكلة ليست لديه، ولكنها فى شركة المياه، وهى المسئولة الأولى عن الكميات أو شكل توصيل مياه الشرب للمواطنين، خاصة أن هناك منظومة مياه تتحكم فى الطلمبات والخطوط والروافع، وكلها فنيات، الأعلم بها هم المسئولون فى شركة المياه، وعلى عكس ما يقول البعض إن الجهاز له دخل فى تلك المشكلة، خاصة أن المنطقة كبيرة، ومسطح المدينة يبلغ 70 ألفاً و275 فداناً، أى أنها كبيرة وليست صغيرة، حتى إن الشكاوى التى يقدمها المواطنون يقوم بتحويلها على الفور إلى المهندس المسئول فى شركة المياه، وقال «بالنسبة لكمية المياه المخصصة للإنشاءات الجديدة لا يمكننى التحكم بها، وكل دورى هو إعطاء التراخيص فقط»، وعن رفض تركيب بعض الخزانات، أكد أن القرار يعود إلى المهندس المختص الذى يجد أن هناك خطورة على جسم المبنى لو تم وضع الخزان فوقه، وبالتالى يمنعه، خوفاً على السكان ليس أكثر».