يسقط الظلم.. من اجل مجتمع افضل
دخل الصبى بيته، مازالت أنفاسه لاهثة، وجهه ساخن من الحماس لما مر به من أحداث، قرر أن يكتب ما جرى كقصة قصيرة. بعد أن انتهى من الكتابة تخيل وجه أستاذه العزيز محمود أبوالسعود، مدرس اللغة العربية، وهو يمتلئ إعجابا به وتقديرا لتفوقه.. تذكر أحداث الصباح، المظاهرة كانت تكبر كلما سارت كأنها كرة ثلج تتدحرج، هتاف يتعالى: «يسقط الملك الفاسد، يسقط الاستعمار». أصواتهم الفتية كانت تدق الأبواب والجدران.. وفجأة وبدون إنذار ظهر الجنود الإنجليز ليشتتوا أفرادها بالقوة.
هذا ليس مشهدا من رواية لنجيب محفوظ أو سعيد جودة السحار أو عبدالرحمن الشرقاوى، بل أحداث حقيقية لصبى قرر يوما أن يغير العالم وأن يحترف الكتابة.
اليوم شديد البرودة، دخل بعض الصبية بيت رجل اسمه زكى عبدالسلام، قال لهم: تفضلوا الفطائر ساخنة.
فسأله أحدهم: كيف نصنع مسرحية جيدة؟
فرد بقوله: سنتكلم ونحن نأكل.
التف الجميع حول أكواب الشاى الساخنة والفطائر الشهية الطازجة، ورغم برودة الجو بالخارج كانت الغرفة تشع دفئا وحبا وودا. صاحب المنزل كان مدرس اللغة الإنجليزية بالمدرسة. لم يجمعهم عنده لدرس خصوصى كما يحدث الآن، بل لأنه يدعو النابهين والمتفوقين من الفصل لمناقشة القضايا المختلفة والتركيز على القيم الأخلاقية وأهميتها لهم فى الحياة. يتذكر جيدا مدرس اللغة العربية وهو يؤكد أهمية المسرح والفن فى المجتمع، لذا كان الطلبة يجمعون القروش القليلة لتخرج مسرحيتهم إلى النور.
هو من أبناء الطبقة الوسطى، عندما قامت ثورة يوليو كان شاهد عصر على مجانية التعليم، وكيف غيرت مسار كثير من الأسر والأصدقاء، لذا يؤمن إيمانا كبيرا بأهمية العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
عندما تجلس معه تتذكر دائما عبارة الروائية الكبيرة «إليزابيث الليندى» فى رواية «باولا»، بأنه رجل يشفط الهواء من حولك فهو يتمتع بكاريزما خاصة لا تستطيع أن تتجاهلها.
عندما دخل كلية الزراعة، لم يذهب للمدرجات بل بحث أولا عن المسرح، صال فيه وجال هو وبعض زملائه الذين آمنوا بالفن واحترفوه. الجامعة مرحلة رائعة فى حياته، مجتمع يعيش فيه الفقير بكرامة، لم تكن هناك فروق اجتماعية هائلة بين الناس، يتذكر بحنين الصداقة العميقة مع أساتذة الجامعة أيضا.
بعد أن تخرج سنة 1960 كان أمامه خمس فرص متاحة للعمل، عليه أن يختار فيما بينها، وكان التليفزيون ومسرحه هو الاختيار الأقرب إلى فنه.. من هنا.. من داخل «ماسبيرو» الذى أخرج عمالقة الفن المصرى، صار واحدا من خريجيه، أول عمل درامى أخرجه صار حديث القاهرة والناس، ومنه انطلق إلى عشرات الأعمال التى حفرت اسمه على تترات أقوى المسلسلات المصرية، التى تناول فيها قضايا فساد وحقوق فقراء ومهمشين يبحثون عن العدالة الاجتماعية.
إنه المخرج الكبير محمد فاضل.