مصر بعد «يناير»: «10 سنوات» على «سكة السلامة»
مصر بعد يناير
ربما هو أصعب العقود، فوضى ودماء وإرهاب وكوارث طبيعية أيضاً، 10 سنوات شديدة الصعوبة كانت الدولة المصرية فيها بين طريقين: طريق «السلامة» الذى سلكته، وطريق «الندامة» الذى نجت منه بأعجوبة. بدأت السنوات الصعبة بـ«يناير الغضب»، الذى حمل آمالاً كبيرة، وآلاماً أكبر، وتبعته شهور كثيرة من «الفوضى غير الخلاقة»، تمكنت بعدها الجماعة الإرهابية من وضع قدمها الأولى فى البرلمان، ثم وضع القدم الثانية فى قصر الاتحادية.
الدولة واجهت مفترق طرق فى 2011.. لكنها نجحت فى مواجهة الإرهاب بـ«تحدى البناء»
عام من «حكم المرشد»، لم يتحمل المصريون أكثر من ذلك، ليخرجوا فى ميادين مصر، ثم يستجيب الجيش لهم، وتعود الدولة المصرية ناجية من «محاولة خطف». لم تنتهِ السنوات الصعبة عند 30 يونيو 2013، فالثورة المصرية الجديدة أعقبتها موجة إرهاب أكثر شراسة من أى وقت مضى. استهداف لقوات الجيش والشرطة، تهديدات للقضاة، اعتداءات على الكنائس. صور لا حصر لها من الإرهاب المخطط له والمدعوم فى كل «شبر» بمصر، فى محاولة للنيل من الجميع. ومن جديد، تمكنت مصر من «النجاة»، و«الوقوف على قدميها»، و«الانطلاق» لتعالج أخطاء الماضى. «الوطن» تستعرض كيف تغير شكل الدولة المصرية خلال هذا العقد الصعب، وتسلط الضوء على أهم التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى على مدار 10 سنوات.
استرداد الدولة: من الحرق والهدم وسيطرة «الإرهابية».. إلى البناء والتنمية بانتخاب «السيسى»
بدأت تظاهرات 25 يناير فى ميدان التحرير والميادين الشهيرة بالمحافظات، مطالبة برحيل النظام آنذاك، رافعين شعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، إلى أن أعلن الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية، حيث ألقى بيان التنحى اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة آنذاك، وذلك فى يوم 11 فبراير، وتم تسليم السلطة وتكليف المجلس العسكرى بإدارة شئون البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية.
وتمكنت جماعة الإخوان من السيطرة على برلمان 2012، بالتعاون مع السلفيين، وبدأ التنظيم الإرهابى فى وضع خطة لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة، بتحقيق الهدف الأهم، وهو الوصول إلى سُدة الحكم، وبالفعل حققت هدفها، حيث أسفرت الانتخابات الرئاسية فى عام 2012 عن فوز الرئيس المعزول محمد مرسى بمقعد الرئاسة بعد جولة إعادة مع الفريق أحمد شفيق.. وبدأت الجماعة بمجرد وصولها إلى الحكم فى تنفيذ مخطط السيطرة على مفاصل الدولة، وهو ما ظهر فى التشكيل الوزارى بقيادة هشام قنديل، حيث بلغ عدد الوزراء من حزب الحرية والعدالة وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان، 10 وزراء.
وتدهور حال الدولة، فى عام حكم الإخوان، حيث ارتكزت الجماعة فى حكمها على صدور قرارات الدولة من مكتب الإرشاد، ضاربين بمؤسسات الدولة عرض الحائط، ودخل «مرسى» فى عداء مع مؤسسات الدولة ومنها القضاء.
ولم يستمر الوضع كثيراً حتى ثار الشعب على محمد مرسى خشية انهيار هوية الدولة، وتغوّل الجماعة داخل مؤسسات الدولة، بل حارب بشراسة، إلى أن خرج الشعب بالملايين عقب توقيعهم على استمارة «تمرد»، وهى الحملة التى تبناها بعض الشباب حتى أطلقوا دعوات التظاهر فى 30 يونيو 2013، ونزل الشعب بالملايين للمشاركة فى ثورة تصحيح المسار، وانحازت القوات المسلحة لجموع الشعب، حيث أصدرت بياناً فى 1 يوليو أكدت فيه انتصارها الكامل لمطالب الشعب كافة، وأمهلت جميع الفرقاء السياسيين فى مصر 48 ساعة لتحقيق مطالب الشعب، وأعلنت أنه فى حال انتهاء المهلة دون جديد ستقوم القوات المسلحة بطرح خارطة طريق تقوم هى على تنفيذها وتتخذ الإجراءات المناسبة لضمان تنفيذ مطالب الشعب.
وهو بالفعل ما حدث يوم 3 يوليو، عندما ألقى الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع آنذاك، البيان، معلناً خارطة المستقبل بحضور ممثلى القوى السياسية والأزهر والكنيسة بعد اجتماع استمر لعدة ساعات لبحث رفض الإخوان الاستجابة لمطالب المصريين برحيل محمد مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأكد الجيش فى بيانه أن القوات المسلحة استدعت دورها الوطنى وليس دورها السياسى؛ استجابة لنداء جماهير الشعب.
وتولى المستشار عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، مسئولية حكم البلاد، لمدة عام كفترة انتقالية، لحين إجراء انتخابات رئاسية، وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى يونيو 2014، بعد فوزه فى الانتخابات باكتساح على المرشح الرئاسى حمدين صباحى، وبدأت عملية تصحيح المسار، حيث تحققت إنجازات عدة، فى كافة قطاعات الدولة بشكل عام، وكان للتنمية المحلية نصيب كبير نظراً للجهود الكبيرة التى بُذلت فيها، والتى تنوعت بين إعداد خطط للتنمية الحضرية، وإزالة التعديات عن أراضى الدولة والتصالح فى العديد من مخالفات البناء.
نجاح ساحق فى ملف مكافحة الإرهاب.. وقطع يد الإخوان المخربة والوقوف فى وجه فوضى الجماعة وأتباعها
وفى ظل المساعى المستمرة من الدولة لإحداث تنمية حقيقية، كانت هناك يد الإخوان تحاول التخريب ونشر الفوضى فى البلاد، حيث وصل إجمالى العمليات الإرهابية خلال 2014 فقط، نحو 222 عملية، فى حين ارتفعت لـ595 عام 2015، ونحو 199 عملية عام 2016 لتصل إلى 50 عملية عام 2017 ونحو 8 عمليات عام 2018، فى حين تراجعت العمليات خلال عام 2019 لتصل إلى عمليتين، وهو ما يؤكد النجاح الكبير الذى حققته مصر فى ملف مكافحة الإرهاب.
تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى ينقذ مصر
الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسى وعضو مجلس الشيوخ، يؤكد أن التفاعلات بين فترة 25 يناير و30 يونيو مستمرة، وأنه ما زال فى الخيال المصرى ما حدث، أى إن أحداثها لم تهدأ مثل أحداث الثورات القديمة مثل 1919 و23 يوليو 1952. وأضاف «سعيد»، لـ«الوطن»، أنّه «يمكن تقسيم تلك الفترة لـ3 جولات، تبدأ بفترة من 25 يناير إلى 30 يونيو: وهذه هى الفترة التى استولى فيها الإخوان على البلد، وفازوا فى الانتخابات»، متابعاً: «بينما كان الشباب فى تلك الفترة يصممون على حرق مقر وزارة الداخلية فى شارع محمد محمود، كان الإخوان يجهزون للانتخابات، كما شهدت تلك الفترة انفتاحاً إعلامياً غير عادى».
«سعيد»: الدولة تتغير للأفضل.. ونأمل إتمام باقى الخطوات الضرورية خلال 9 سنوات
واستكمل: «أما المرحلة الثانية، من 2013 إلى عام 2016، فكانت بداية المرحلة الانتقالية التى قادها المستشار عدلى منصور بعلاقة وثيقة مع القوات المسلحة، وكذلك كانت هناك علاقة وثيقة بين خطة الإصلاح التى قامت بها فى ذلك الوقت وزارة المالية، والتى أصبحت فيما بعد جزءًا من برنامج إصلاحى طويل المدى، والذى جاء فى عامى 2015 و2016 وهو الخاص برؤية 2030، وفى تلك المرحلة تم انتخاب الرئيس السيسى رئيساً لمصر، وبدأ على الفور بمشروع قناة السويس، والذى كان جزءًا من تحفيز الاقتصاد». وأشار عضو «الشيوخ» إلى أهمية التحفيز الاقتصادى، قائلاً: «أى دولة بها أزمة اقتصادية، تحدث حالة من الركود الاقتصادى، لذلك وجب تحفيز الاقتصاد، فعن طريق الاقتصاد العام يتم ضخ أموال فى مشروع كبير مثل قناة السويس الجديدة والشعب وضع أمواله فى المشروع»، موضحاً أن المرحلة الثالثة، هى «الفترة من 2016 حتى يومنا هذا، والتى واجهت فيها الدولة نفسها خاصة فيما يتعلق بقيمة الجنيه، وتم اتخاذ القرار الصحيح، وهو تعويم سعر العملة، بدل ما كان هناك 6 أو 7 أسعار للعملة، ما بين سوق سوداء وأسعار المستوردين والموردين وغيرها، ووجود أسعار كثيرة للعملة لا يصلح أبداً مع أى اقتصاد حقيقى، كانت هناك صدمة حقيقية بعد تعويم العملة، ولكن تنبؤات المتشائمين كلها فشلت، حيث وصل سقف التوقعات المتشائمة أن سعر الدولار سيعادل 30 جنيهاً وأكثر، وهناك آخرون قالوا إن الشعب لن يتحمل وسيثور مثلما حدث فى 17 و18 يناير فى انتفاضة الخبز عام 1977». ونوه «سعيد»، بأن الفترة الحالية بعد انتهاء أول 6 سنوات فى خطة 2030، نستطيع القول إن البلاد تتغير للأفضل، ونأمل أنه خلال الـ9 سنوات المقبلة، ستتم باقى الخطوات الضرورية للإصلاح.