عاشق السماء
«ابتكر محمود باشا الفلكى وضع التقاويم السنوية، فوضع تقويماً لعام 1849م، قارن فيه بين التواريخ الهجرية والميلادية والقبطية، ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه لقب الفلكى الذى لازمه طوال حياته»..
عشق السماء كتاب الطبيعة المفتوح، فعاش بين النجوم والكواكب يتأملها، يرصدها، يتابعها، إنه محمود باشا الفلكى، واحد من أعظم العلماء فى علمى الفلك والرياضيات، ولد عام 1815م فى محافظة الغربية والتحق عام 1824 بمدرسة الإسكندرية التى أنشأها محمد على باشا، ومنها انتقل محمود باشا الفلكى لمدرسة المهندسخانة بالقاهرة، (كلية الهندسة حالياً) فتفوق على زملائه وكان من أوائل الخريجين، وعين أستاذاً للعلوم الرياضية بها، وكان من تلاميذه وقتها على مبارك الذى تأثر بشخصية أستاذه ونهل من علمه وثقافته، ابتكر محمود باشا الفلكى وضع التقاويم السنويـــة، فوضع تقويماً لعام 1849م، قارن فيه بين التواريخ الهجرية والميلادية والقبطية، ومنذ ذلــك الوقت أطلق عليه لقب الفلكى الذى لازمه طوال حياته.
فى منتصف عام 1850 أراد عباس باشا الأول إعادة تنظيم رصدخانة بولاق، وهى دار الرصد التى أنشأها محمد على باشا، فأرسل محمود باشا الفلكى لفرنسا عام 1851م وقضى تسع سنوات فى دراسة علوم الرياضيات والفلك، ونشر الكثير من الرسائل والأبحاث الفلكية فى المجلات الأوروبية، منها رسالة عن التقاويم العربية قبل الإسلام، حقق فيها مولد النبى محمد عليه الصلاة والسلام، ورسالة أخرى عن المواد المغناطيسية الأرضية قدمها عام 1856م إلى المجمع العلمى بفرنسا ونال أعظم الشهادات العلمية.
عاد محمود باشا الفلكى إلى مصر فى عهد سعيد باشا عام 1859م، فأنعم عليه برتبة (أميرالاى) وعهد إليه بوضع خريطة مفصلة للقطر المصرى، فرسم خريطة للوجه البحرى، لم يسبقه إليها أحد من العلماء والمهندسين، وخريطة أخرى للوجه القبلى بعدها. فى عام 1860م كلفه سعيد باشا بملاحظة كسوف الشمس الكلى بمدينة دنقلة بالسودان، فأدى محمود باشا الفلكى هذه المهمة بنجاح، ووضع رسالة شرح فيها هذا الكسوف بطريقة علمية وقدمها لسعيد باشا، وإلى أكاديمية العلوم بباريس فنالت استحسان العلماء.
فى عام 1871م تم تعيين محمود باشا الفلكى ناظراً لمدرسة المهندسخانة، كما كان وكيلاً للجمعية الجغرافية ومثل الحكومة المصرية فى المؤتمر الجغرافى الذى عقد بمدينة البندقية بإيطاليا عام 1881م.
عشق محمود باشا الفلكى علم الفلك، وأنشأ على سطح منزله، بالميدان الذى سمى فيما بعد باسمه (ميدان الفلكى) مزولة (آلة قديمة لتحديد الوقت) تبين ساعات النهار.
تولى محمود باشا الفلكى وزارة المعارف (وهى التربية والتعليم الآن) فى وزارة شريف باشا عام 1883م، وتولى رئاسة الجمعية الجغرافية حتى رحل فى التاسع عشر من شهر يوليو عام 1885م.
رحل عاشق السماء صاحب البصمات الباهرة فى علم الفلك، وعاشق الأرض الذى نقب فى باطنها فكشف عن الكثير من الكنوز والآثار.