فى يوم 28 مايو من عام 2016 وجد الناخبون المصريون أنفسهم فى مواجهة اختبار صعب: إما أن يختاروا المرشح الإخوانى لمقعد الرئاسة أو المرشح البهائى.. جولة الإعادة مستعرة بعد خروج مرشحى التيار الليبرالى من المنافسة فى الجولة الأولى.. كعادتهم مزق الليبراليون ملابس بعضهم البعض، رغم الأصوات التى تعالت بضرورة التوحد والتكاتف لمواجهة التيارات الدينية.. اتهامات متبادلة بالفساد والإفساد وخيانة ثورة يناير التى أطاحت بالراحل محمد حسنى مبارك.. ووضعت نجليه علاء وجمال ورموز حكمه فى السجن..!
خرج مرشحو التيار الليبرالى من السباق، ليستكملوا معاركهم فى ميدان «جهينة» بـ6 أكتوبر.. كان الباعة الجائلون والبلطجية قد فرضوا سيطرتهم تماماً على ميدان التحرير بوسط القاهرة.. وبات من الصعب تنظيم التظاهرات به، لا سيما بعد أن أطلق رواده الجدد عليه اسم «ميدان الرزق ع الله».. وفشل وزراء الداخلية المتعاقبون فى إعادة الميدان إلى سابق عهده..!
فى إعادة الانتخابات الرئاسية.. كان محمد مرسى خارج البرواز.. إذ قررت جماعة الإخوان المسلمين الدفع بـ«خيرت الشاطر» للمنافسة على المقعد.. وتنوعت التفسيرات السياسية.. البعض رأى أنه كان هناك اتفاق مسبق بأن يتولى مرسى الرئاسة فترة، والشاطر فترة.. بينما جنح فريق آخر إلى أن «مرسى» فقد جزءاً كبيراً من شعبيته بسبب إخفاقه فى حل بعض المشاكل الجماهيرية، التى وعد بها فى برنامجه الانتخابى عام 2012..!
مأزق الشعب المصرى بات صعباً.. فغباء الليبراليين، المعتاد منذ الثورة، أدى لخروجهم جميعاً من السباق.. وأصبح لزاماً على الناخبين أن يختاروا ما بين «خيرت الشاطر»، مرشح الإخوان، الذين فقدوا الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وبين «بهاء الدين حسين» مرشح البهائيين، الذين تمكنوا أخيراً من فرض وجودهم بقوة الدستور والقانون والضغط الدولى على مصر..!
كان «بهاء الدين» حاد الذكاء، يمتلك شخصية «كاريزمية» ذات تأثير طاغٍ.. لذا فقد تمكن الرجل من النفاذ إلى عقول وقلوب الكثيرين، باعتباره نصير الفقراء.. وكان المصريون قد عانوا كثيراً خلال فترة حكم الإخوان، فانحازوا فى الصناديق لـ«بهاء الدين»، لا سيما أن الرجل نجح فى إقناعهم بأن «بهائيته» ليست أكثر من كونها مذهباً شخصياً، وأنه سيكون رئيساً للجميع، وسيأخذ مصر بفقرائها وجهلائها إلى مصاف الدول المتقدمة، بل وعد الرجل بأن يبنى لكل أسرة «فيلا» صغيرة على حدود «ولاية سيناء»، التى انفصلت عن مصر فى عام 2015..!
سبق السيف العذل.. وانتخب المصريون «بهاء الدين» بنسبة أصوات 58٫3٪.. وبدأ الرجل عمله وسط احتفالات «بهائية» صاخبة.. وحين دخل قصر الرئاسة، ظهر البهائيون بجواره فى كل مكان.. لم يعبأ الشعب المصرى بالأمر.. الجوع والفقر لم يسمحا لأحد بالتفكير.. ثم إن المواطن المصرى اعتاد منذ قرون طويلة أن يحكمه أى شخص، بأى مؤهلات، بأى إمكانات، حتى لو لم يكن مصرياً.. ثم إن «بهاء الدين» مصرى، فما المشكلة إذن؟.. رفع الناس شعار «هوه إحنا شفنا إيه من اللى قبله.. واللى قبل قبله.. خلينا نجرب».. وتجارب المصريين -كما تعلمون- تطول.. وتطول.. وتطول..!
بدأ «بهاء الدين» نشاطه سريعاً.. أطاح بكبار المسئولين من مؤسسات الدولة، ووضع مكانهم بهائيين أو متعاطفين مع «البهائية».. وبنفس سرعة خطوات الرئيس الجديد، هرول عدد كبير من السياسيين ورجال الأعمال والإعلاميين إلى تأييد الرئيس، والإشادة بالمذهب «البهائى»، وأسس البهائيون جمعيات جديدة لرجال الأعمال، والتفّ حولهم صحفيون ومذيعون، بعد تغيير قيادات الإعلام الرسمى، وتحولت بعض الصحف المستقلة، إلى الهجوم على «الإخوان»، بعد أن عاشت 4 سنوات فى كنفهم أو على الأقل دون الهجوم عليهم.. سريعاً تحولت هذه الصحف، التى كانت «ليبرالية»، ثم «إخوانية»، إلى «بهائية» الهوى والمذهب..!
اتخذ كل «واحد» موقعه الجديد فى جيب «البهائيين» بسلاسة معتادة.. غير أن برامج «التوك شو» امتلأت بنقاشات وجدالات عنيفة بين النخبة من السياسيين والإعلاميين والمفكرين وعلماء اللغة العربية.. كانت «الخناقة» ساخنة.. وكان السؤال حول تسمية ظاهرة الهرولة صوب الرئيس و«بهائيته»: هل هى «بهبأة».. أم «بهيأة».. أم «بهوأة الدولة».. واستقر الأمر فى النهاية على «بهوأة مصر».. إذ حاز المصطلح إعجاب النخبة والشعب معاً.. وسار بعد ذلك كل شىء بهدوء شديد..!