الاقتصاد المصري في عهد مبارك.. بين ادعاءات "المخلوع" وحقائق التاريخ
أماكن عشوائية عديدة، طرقات لم ترَ الأسفلت طوال حياتها، عشش لن ترضى الطيور بها سكنًا، أزقة وطرقات اتخذ كل من يتاجر في السموم منها ملجأ، ليعيث في الأرض فسادًا، مواطنون ذاقوا مرارة المرض حتى آلفوه، أجساد لشباب نحلتها إدمانهم على المخدرات، بطالة استشرت نتائجها جنبات الدولة، عانى منها مَن عانى، ومات منها مَن أراد حياة جديدة في دولة جديدة بطريقة غير شرعية.
[FirstQuote]
لم يكن للموت بد للعديد من الشباب الذين لم يألفوا الحياة الرغدة، وبات هم البطالة؛ والجلوس بلا عمل همًا بعد هم يلاحق الصغير منهم قبل الكبير، والتي لم يستطع أحد منهم أن يقولها بصوت مسموع أن هذا بات كابوسًا يعانى منه، وإلا كان طريقهم كمثيلهم من المعارضين؛ قابعين في الدرك الأسفل من الحجز في أقسام الشرطة، وبين هذا وذاك؛ يقبع الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وراء القطبان ليدافع عن نفسه بأعلي صوت "وفرنا أبواب رزق للملايين من المصريين".
الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك لم يكن ليدافع عن نفسه بطريقته التي ظهر بها اليوم، إلا بعد أن نال قوة روحية خالصة، نبعت من مدافعة وزير داخليته حبيب العادلي، ومرافعة محاميه فريد الديب، والتي وجدت عزب كلماته، وتلونه غير المبرر استحسانًا لقاضي مبارك، الذي لم يألف مثل تلك المرافعة القوية، والتي لا تخرج إلا ممن وجد من نفسه شخصية حملت من الصواب قوة عدم اقتراف الأخطاء.
[SecondQuote]
مبارك، الذي قبع خلف القطبان، متكئًا على سريره الموجود بقاعة المحكمة، أكد في مرافعته عن نفسه أن الاقتصاد حقق أعلى معدلات نمو في التاريخ، إلا أن اتهام عدد من السياسيين لوزير مالية مبارك "يوسف بطرس غالي" بزيادة حصيلة الضرائب بنسبة حوالي 250% تحمل المواطن العادي منها حوالي 60% نتيجة ضرائب المبيعات والجمارك ومرتبات الموظفين؛ منعت تصديق تلك المرافعة، والتي ظهر فيها أن بعض الشركات التي بلغت أرباحها مليارات أو ملايين الجنيهات لم تسدد سوى 8% في المتوسط وبعضها سدد 0.5% فقط من الضرائب المستحقة عليه وفقاً للقانون، وذلك بناءً على تحقيق وجهه الدكتور حمدي حسن، عضو مجلس الشعب فترتي 2005 حتي 2010.
استهداف سياسة مبارك لفتح أبواب الرزق لملايين من المصريين، لم يكن التاريخ يصدق كلمات مبارك، والذي سجَّل بين صفحاته ارتفاع نسبة البطالة لأكثر من 30%، والتي كانت فيما قبل لا تتعدى الـ3%، والذي أضاف أن حكومته واجهت تحديات عدة لمصر وشعبها بجانب الإنجازات العديدة رغم الزيادة السكانية، إلا أن التاريخ يأبى أن يوافق على تلك المرافعة؛ ليذكر أن حجم الديون تفاقم في عهد الرئيس المخلوع إلى 614 مليار جنيه، بجانب ما يقرب من 300 مليار دولار تم تهريبها خارج البلاد.
وأكد مبارك أن الزيادة السكانية التي كانت أثناء فترة حكمه؛ والتي شكلت ضغطا هائلا في الموارد، تم اجتيازها بنجاح، مضيفًا أن تلك المرافعة جاءت طبقًا للعديد من الإحصائيات المسجلة والمتاحة، ولكن ارتفاع سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، بعدما كان يحقق 85 قرشًا سنة 1981، ليصبح 6 جنيهات عام 2005 أكدت اعتماده على إحصائيات مغلوطة، لم تمت إلى أرض الواقع في شيء.
جدير بالذكر، أنه في يوم 29 مارس 2010 أعلن تقرير صادر من الجهاز المركزي للمحاسبات اختفاء تريليون و272 مليار جنيه من ميزانية الدولة في عام 2010، ومحاولة الحكومة إخفاءها، بجانب عدم إعطاء معلومات عن تلك الأموال، إحصائيات هامة أغفلها الرئيس المخلوع مبارك خلال مرافعته أمام محكمة القرن، بقصد أو من غير قصد، فهي إحصائيات ستظل متاحة لمن أراد التوصل إلى الحقيقة، دون اعتماد زائف لمرافعة مبارك أو محاميه الفذ، وللحيلولة دون سقوط الحقيقة في غياهب النسيان.