ما أسوأ أن تتحول إلى رجل مطافئ.. تجلس طوال اليوم ويدك على قلبك.. يا ترى الحريق اللى جاى هيكون فين؟ هل سيأتى مدمراً أم سأتمكن من محاصرته؟ تخيل نفسك رئيساً لشركة فيها 910 موظفين وعاملين.. تذهب صباحاً لتتلقى أول تقرير «ع الريق»: «15» موظفاً أضربوا عن العمل.. «25» عاملاً أطفأوا الماكينات.. «20» موظفاً قطعوا الطريق المؤدى للمصنع.. وباقى العاملين يتفرجون على المضربين والمعتصمين والمحتجين.. والمطلوب منك «إطفاء» هذه الحرائق، بينما عجلة العمل والإنتاج تدور.. كيف؟!
هذه هى مصر الآن.. حريق كبير، يشتعل فى أماكن متفرقة.. النيران لم تشتعل بـ«عقب سيجارة» أو «ماس كهربائى» وإنما بـ«فعل فاعل».. هذا الفاعل إما أنه يخطط ويدبر لتدمير ما تبقى من الدولة.. وإما أننا نحن الفاعلون.. أنا وأنت وهو دون قصد.. لكن النتيجة فى النهاية واحدة: لن تقوم قائمة لنا، والدخان يتصاعد فى سماء مصر كلها!
ولأننى مسئول عن 450 صحفياً وموظفاً، ولا أتصور نفسى رئيساً لتحرير جريدة مشتعلة بالاحتجاجات 24 ساعة يومياً، أشعر بالشفقة على رئيس الدولة وحكومته الحالية.. هى كلمة حق يفرضها علىَّ ضميرى الوطنى والمهنى الآن.. فإذا كان محمد مرسى لم يكمل مائة يوم، وحكومة «هشام قنديل» لم تكمل 60 يوماً، فكيف لكليهما أن يعمل بينما 91 مليون مصرى يحتجون ويتظاهرون ويعتصمون ويقطعون الطرق؟! الكل يريد أن يحصل على سقف مطالبه فى أيام معدودات، بينما تؤكد الإحصاءات أن متوسط عمل الفرد لا يزيد على 22 دقيقة يومياً.. نهتف ونصرخ للمطالبة بحقوقنا ولا أحد فينا يؤدى واجبه، وكأن السماء سوف ترسل لنا الذهب والفضة.. وتلك آفة تأصلت بداخلنا على مر التاريخ!
أعرف أن البعض سيغضب.. لكنها الحقيقة المؤلمة.. لقد نجحت الثورة فى تغيير أشياء كثيرة فى مصر إلا الإنسان نفسه.. هدمت نظاماً استبدادياً وشيدت قاعدة تداول السلطة باعتبارها المبتدأ والمنتهى فى الديمقراطية، لكننا ننظر دائماً إلى الآخر دون أن ننقد أنفسنا.. لم نسأل بعضنا البعض: هل تغيرنا للأفضل؟ هل نحن مستعدون للبناء، أم ما زلنا نهدم ونهدم، ثم نطالب الرئيس والحكومة بأن يمنحانا علاوات وزيادات فى الأجور، من بين أنقاض الهدم ورماد الحرائق؟ لم نسأل بعضنا البعض: ماذا قدمنا لمصر نهاراً لننام قريرى الأعين ليلاً؟! هل تكفى إزالة القمامة من الشوارع، بينما نملأها كل لحظة بـ«الزبالة»؟! لماذا زادت التجاوزات والفساد والرشاوى بعد الثورة؟! كيف انتفضنا ضد وزارة الداخلية وأجهزة الأمن، ورفعنا شعار «الحرية» بينما نثبت كل ساعة أن اختفاء القبضة الحديدية للأمن أثبت أن الانفلات الأمنى والسلوكى والأخلاقى ينبع من داخلنا؟ فهل نريد أن نقول للعالم إن الشعب المصرى لا يسير إلا بـ«الكرباج»؟ وإلا فلماذا بات كل منا يفعل ما يريد، أينما يريد، وقتما يشاء خرقاً لكل القوانين والأعراف والأخلاق؟!
الإنسان الحر لا يسير بالعصا.. والمواطن الحقيقى يعمل ويبنى ثم يطالب بحقوقه، والإنسان الواعى يدرك دائماً استحالة منحه المزيد من المال والرفاهية دون أن يتقدم الاقتصاد الوطنى.. والاقتصاد يتقدم بالإنتاج.. ونحن لا ننتج.. إذن فالحل أن نمنح رئيس الجمهورية عصا سحرية، وأخرى لرئيس الحكومة كى توفر لنا الدولة رغد العيش مثل المواطن اليابانى والأوروبى والكورى والماليزى، دون أن نعمل..
لا تغضبوا، فتلك هى الحقيقة.. وإذا جئنا بكل خبراء العالم، لن نحقق شيئاً دون أن نتغير.. وشخصياً لا أطلب من رئيسى إنجازات ومعجزات بينما نفرض عليه أن يصحو كل صباح ليسأل مساعديه وهو يرتدى بدلة الإطفاء: «عندكم حرايق فين النهارده؟!».