رحلة «إبراهيم» الترزي للبحث عن ذاته.. حصل على الدكتوراه وتمسك بمهنته
إبراهيم سيد داخل المحل الذي يملكه
يجلس في داخل المحل الصغير، يعكف على ماكينته يطرز ملابس زبائنه بكل حرفية وإتقان، يطور نفسه ليكون مبتكرا في مجال عمله، ليقرر في إحدى اللحظات أن يغير واقعه ويتجه لتفصيل شكل جديد لمستقبله، يتخطى به كل العثرات التي واجهته في حياته ووقفت حائلا أمام تحقيقه لأحلامه التي طالما تمني تحقيقها.
الظروف القاسية التي عاشها إبراهيم سيد، الرجل الخمسيني في طفولته، دفعته للعمل لتولي أمر أسرة بأكملها، فبحث عن مهنة يتعلمها وتصبح مصدر رزق له، ليقرر بعد أعوام طويلة أن يتعلم، فالتحق بفصول محو الأمية وهو في سن الشباب، وتدرج في التعليم حتى حصل على درجة الدكتوراه.
في سن 7 أعوام انفصل والدا «إبراهيم»، وترك له أبوه حملًا ثقيلًا ومسؤولية تفوق عمره أضعافا، فشقيقه الأصغر من ذوي الهمم بحاجة إلى مصروفات كبيرة، ووالدته لا تقوى على تحمل مسؤولية الأسرة بمفردها، ليقرر البحث عن أي عمل يوفر منه بعض الجنيهات التي تسهم في النفقات المالية للأسرة، تاركًا خلفه حلمًا بالتعلم كأقرانه من أبناء قريته.
بدأ عمله في سن 7 سنوات بعدما انفصل والداه
بإحدى القري المجاورة لمسقط رأسه، في قرية معصرة صاوي، بمحافظة الفيوم، بدأ «إبراهيم» أول عمل له، مع صاحب محل لتفصيل الملابس «ترزى»، ظل فيه لأعوام كـ«صبى» حتى تشرب أصول الصنعة سريعا، ليعود مرة أخرى لأسرته، ليؤسس مشروعه الخاص ويستمر مع تلك المهنة التي أحبها، ومنها ينفق على والدته وشقيقه، حتى قرر الزواج وهو في سن 21 عاما.
نظرات السخرية التي نظر بها له أحد زبائنه لعدم تمكنه من القراءة والكتابة، حركت حلم الطفولة بذلك الشاب اليافع، وتجددت رغبته في تغيير حياته وأن يبدأ التعلم، وهو ما أكده أحد الأصدقاء المقربين له:«قالي إنت شاطر في المهنة بتاعتك لازم تتعلم عشان تطور من نفسك»، ليبدأ مسيرته التعليمية في سن 25 عاما ولديه ثلاثة أبناء.
جميع المراحل التعليمية اجتازها «إبراهيم»، بتفوق، فحصل على الشهادة الابتدائية محلقًا على القمة فائزًا بالمركز الأول على مستوى مركز طامية، وفي الإعدادية جاء في الترتيب الثاني، وحينها كان يتعلم في منزله معتمدا على قدراته فقط: «وفي الدبلوم كنت من بين الثلاثة الأوائل على الجمهورية، وقررت إني أدخل الجامعة حسيت إني محتاج أتعلم أكثر».
عشقه للإعلام وقراءة الصحف والمجلات كان دافعا له للالتحاق بكلية الإعلام بنظام التعليم المفتوح عام 2000، ونجح في الحصول على بكالوريوس من كلية الإعلام بتقدير عام جيد، ثم حصل إبراهيم على دبلوم الدراسات العليا فى الإعلام من جامعة الزقازيق، وكذلك الماجستير في عام 2014، من جامعة عين شمس عن دراسة قدمها تحت عنوان «دور البرامج الدينية فى الفضائيات فى تشكيل اتجاهات طلاب الجامعات نحو الأحزاب ذات المرجعية الدينية».
لم يستسلم بحصوله على الماجستير ووظيفة في قطاع المحليات
الطموح وتطوير الذات دفعه للتقدم للحصول على وظيفة باعتباره من حملة الماجستير، بجانب عمله في المحل الذي يملكه لتفصيل الملابس، وعين في قطاع المحليات عام 2015، والتحق بوظيفة مسؤول التنمية البشرية بمجلس مدينة سنورس فى عام 2016، «في الفترة دي بشتغل للحصول على الدكتوراه، اللي بالفعل خدتها، ومعاها كنت طاير من الفرحة وحاسس إني مفيش حاجة نقصاني».
إبراهيم: كنت أبحث عن ذاتي بالتعليم وتكرمت من جامعة الفيوم لإصراري على النجاح
تلك الرحلة الشاقة مع التعليم، كان يحاول فيها البحث عن ذاته وإيجاد مكانة أفضل له في المجتمع، وفيها لم يتخل عن مهنته كـ«ترزي»، فكان يختلس في الساعات الباكرة من الصباح والمتاخرة من الليل أوقاتا للمذاكرة، «تعبت سنين طويلة لحد ما وصلت للدكتوراه، بس لما حصلت عليها تأكدت أن الموضوع يستاهل التعب ده كله».
تكريمات عديدة حصل عليها «إبراهيم» خلال رحلته مع التعليم ،كان آخرها أمس، حين نال تكريما من جامعة الفيوم، بحضور عدد من الوزراء والشخصيات البارزة في المحافظة، تقديرا لما قام به في سبيل أن يتعلم، «لسة بحب أشتغل في مهنة الترزي، وهي مصدر رزقي الأساسي حتى الآن».
لدي الرجل الخمسيني 6 أبناء، 3 منهم يعملون مدرسين أحدهم للغة الإنجليزية، وآخر للفرنسية، ومعلم للدراسات الاجتماعية، وأثنان أطباء أحدهما للأسنان وآخر بيطري، والأصغر طالب في المرحلة الثانوية، «بطلب منهم كلهم يكملوا لحد ما ياخدوا الدكتوراه».