المخلل هو المكون الرئيسي على أي مائدة إفطار خلال شهر رمضان الكريم، فمهما اختلفت أصناف وأنواع الأكل المتواجد على تلك الموائد، لا يكتمل جمال الصورة سوى بعد تزيينها بطبق المخلل، ويا حبذا لو كان هذا المخلل قادما من فرشة الشاب عبدالرحمن السجيني، المتواجد طيلة الشهر الكريم في الشارع، رفقة أصناف وأنواع من المخللات التي قام بإعدادها بنفسه، بعدما عرف سر تلك المهنة من والده، باحثا عن رزقه الحلال، دون النظر أو الالتفات لمن يقولون له بأنه خريج جامعي، ولا يجب أن يعمل بتلك المهنة البسيطة.
عبدالرحمن السجيني، خريج كلية شريعة وقانون جامعة الأزهر، بدأ قصته مع عالم المخلل، حين كان طالبا بالصف الثالث الثانوي، حينما قرر أن يساعد والده في محل المخلل الخاص به، ليتعلم منه سريعا طرق ووصفات صناعة المخلل بمختلف أنواعه، حسبما يكشف في بداية حديثه مع «الوطن»، قائلا: «أنا اتولدت لقيت أبويا عنده محل مخللات، وكانوا أخواتي هما اللي بينزلوا معاه المحل يساعدوه في الأول، وأنا مركز في دراستي بس، لحد ما وصلت لثانوية عامة فنزلت معاه».
شهر رمضان موسم المخللات
وبعد فترة قصيرة من العمل مع والده، اختار «عبدالرحمن»، أن يكون صاحب فرشة مخلل خاصة به كل رمضان والذي يعتبر موسم المخللات من كل عام، مضيفا: «قولت أجيب طربيزة وأقف في الشارع واتعلم اعتمد على نفسي وأبيع للناس».
لا يهدف ابن قرية الكوم الأحمر بمركز أوسيم بمحافظة الجيزة، إلى تحقيق المكسب المادي من هذه الفرشة بالمقام الأول، لأن أول ما اكتشفه بالشارع أن غالبية الناس تعاني من ظروف مادية صعبة، وتكافح لكي تعيش هي وأولادها، وهو ما دفعه لمراعاة تلك الظروف الصعبة، موضحا: «مش ببص على المكسب المادي أوي، على قد ما بقدر بساعد الناس الشقيانة دي، بأني أتوصى أوى يعني اللي بيطلب بعشرة جنيه مثلا بديله بـ 15، فبيبقى فرحان»، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل هناك أناس يمرون بشكل يومي عليه ويعطيهم أكياس المخلل التي أعدها لهم دون أي مقابل مادي، كاشفا: «كذا حد بيعدي عليا كل يوم، ظروفهم صعبة جدا، فبديلهم من المخلل، من غير فلوس».
وبحكم تواجد خريج الشريعة والقانون في الشارع، تعلم بعض الأشياء، في مقدمتها أنه حين تطلب منه إحدى السيدات بجنيهين أو ثلاثة مخلل، يفهم أن هذا المرأة تتمنى أن تضيف طبق مخلل جيدا إلى مائدة أفطارها هي وأولادها، لكن تعففها يمنعها من أن تطلب ذلك دون أن تدفع حقه، فيعطيها كل ما تريد وأكثر مقابل الجنيهين.
صنايعي تصليح كبالن السيارات
وبمجرد انتهاء الشهر الكريم، يعود «عبدالرحمن» إلى صنعته الأساسية، حيث يعمل كصنايعي تصليح كبالن السيارات، مشيرا إلى أنه تعلم تلك الصنعة، منذ أن كان في الأبتدائية، حيث كان يذهب كل أجازة إلى ورشة لتعلم تلك الصنعة، حتى أيقنها وبدأ يعمل بشكل حر منذ عام 2018، حينما ساعده أحد الأشخاص على شراء العدة اللازمة، ورغم كل الرحلة الطويلة المليئة بالكفاح، أحلام خريج الشريعة والقانون بسيطة للغاية، حيث يقول :«نفسي لما أخلص جيش ألاقي وظيفة مناسبة، عشان لما أجي أتجوز بنت متعلمة زيي يبقى أهلها فرحانين بيا وبشغلي»، معلنا في نهاية حديثه مع «الوطن»، أنه يخطط لامتهان المحاماة فور انتهائه من أداء الخدمة العسكرية، التي ينتظرها حاليا منذ تخرجه العام الماضي.
تعليقات الفيسبوك