تلقيت رغبة «الوطن» فى أن أنضم لمن يكتبون فيها، وقلت لصديقى وزميلى حازم منير دعنى أناقش الأمر مع نفسى ومعك، إذ أخشى أن يقال لم يتبقّ إلا أن نفتح الحنفيات فنجدهم يسيلون منها، لأننى أكتب لعدة صحف، وربما يعز على المخزون والمفهوم أن يفيا بالمطلوب..
وناقشت الأمر مع بعض الذرية، التى أرجو أن تكون صالحة، فإذا بى أتلقى رداً هو: والله لا أعرف كوعى من بوعى من كرسوعى حتى أفتيك فيما تسأل! وسألت ابنى ما حكاية الكوع والبوع والكرسوع، فإذا به يذكر لى جده (رحمة الله عليه) وكيف أنه لا يتذكر بوضوح سوى شرحه له الفرق بين الثلاثة، وكيف أنه لخص الأمر فى كلام قال له فيه إنه من «الألفية»! وكيف نسى هذا الابن حديث الجد، واكتشفت أننى أنا شخصياً لا أعرف الفرق، ولا أتذكر سوى العبارة التى كنت أسمعها من أصدقائى عرب الخليج، عندما يرمون شخصاً بالجهل وعدم المعرفة بأنه لا يعرف كوعه من بوعه!
وعدت إلى ذلك الساحر الجهنمى الذى اسمه الإنترنت، ووجدت شرحاً وبالصور، وعرفت أن الكوع هو العظمة التى تقع أسفل إبهام اليد، وأن الكرسوع هو العظمة المقابلة لها والتى تقع أسفل خنصر اليد، أما البوع فهو العظمة التى تقع تحت إبهام القدم، وتأكدت أن الكعبين هما النتوءان الواقعان عند التقاء الساق بالقدم، وأن ما درجنا على تسميته كعب «الرجل» (راء مشددة مكسورة) هو العقب، وأن النهاية الخلفية للساق مع القدم هى العرقوب، وأن ما نسميه الكوع فإن صحته المرفق «.. فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين». أما الرسغ فهو المسافة الممتدة بين الكوع وبين الكرسوع أسفل ظهر كف اليد!
وفى حالتنا الصحفية والإعلامية مضافاً إليهما حالتنا السياسية الآن، لم يعد المرء يعرف كوعه من بوعه من كرسوعه ولا رسغه من مرفقه من عقبه من عرقوبه!! وأتحدى من يستطيع أن يضع تصنيفاً دقيقاً ولا حتى بالتقريب، أى بالبلدى «الوَيَم» (واو مفتوحة)، لاتجاهات الكتاب والصحف والقنوات!
وسألت نفسى بعد أن واظبت على قراءة «الوطن»، خاصة مساحات الرأى، ماذا يمكن أن تضيف فوق ما تجود به هذه الكوكبة من أهل القلم، وهل ستتمكن من أن تقدم جديداً بالنسبة لما يقدمون وبالنسبة أيضاً لما تكتبه فى صحف أخرى؟ أم ستلجأ إلى الحيل التى أتقنها ويتقنها بعض الكتاب، ومنها اللجوء إلى الكتابة العامة السطحية العابرة أحياناً، أو اللتّ والعجن فى قماشة لا تحتمل لتاً ولا عجناً، أو تكرار الفكرة بكلمات مغايرة، أو اختراع خناقات لا ترقى لمستوى ما يمكن تسميته المعارك السياسية أو الفكرية، و«أهو» خناقة من هنا وخناقة من هناك يكثر الكلام وتتخلق مادة للكتابة، ولكن يبقى المقلب فيما لو لم يستجب أحد لجر الشكل أو للخناقة!
وقلت وأقول إذا لم أستطع أن أقدم أمراً مختلفاً بدرجة أو أخرى، فربما أملك الشجاعة لأن أعتذر عن عدم الاستمرار فى الكتابة، فإذا وجدتم هذا الاعتذار فاعلموا أن العيب عندى وليس عند الناشر، وقبل أن أنسى فإن ابن مالك لخص الفرق فى الألفية شعراً فقال:
«وعظم يلى الإبهام كوع وما يلى
لخنصره الكرسوع والرسغ فى الوسط
وعظم يلى إبهام رجل ملقب
بوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط».