د. محمود خليل
يوم الجمعة الماضى (21 مايو) حاول أحد الأشخاص اقتحام منبر الحرم المكى خلال صلاة الجمعة فى حركة فجائية سريعة -كما تظهر الفيديوهات المتداولة حول الواقعة- لكن رجال أمن الحرم تمكنوا من منعه وإلقاء القبض عليه.
تذكرنا هذه الواقعة بواقعة أخرى أكبر تمكن فيها جهيمان العتيبى، بمساعدة مجموعة من المسلحين، من احتلال الحرم المكى عام 1979، وأعلن ظهور المهدى المنتظر محمد بن عبدالله وطالب الحجيج بمبايعته.
القاسم المشترك الأعظم بين الوقائع الشبيهة التى شهدها الحرم وشهدتها بقاع أخرى فى العالم الإسلامى يتمثل فى الادعاء بظهور «المهدى المنتظر».
ويستند أغلب المنظرين لفكرة «المهدى» إلى قول الله تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ».
فأنصار فكرة «المهدى المنتظر» يرون أن الله تعالى جعل محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً منذراً، ثم اختص كل قوم بهادٍ أو شخص مهدى يدعوهم إلى الله تعالى.
وحقيقة الأمر فإن هذه الرؤية تتناقض مع مفهوم «الهدى» فى القرآن الكريم، فالله تعالى هو الهادى وليس أحد من البشر «قل إن الهُدى هُدى الله»، ولو كان لأحد ولاية على هداية البشر لكان النبى صلى الله عليه وسلم الذى يخاطبه الله تعالى فى القرآن الكريم قائلاً: «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».
والله تعالى هو الذى يثبت القلوب على الهدى، وهو الذى ثبّت محمداً صلى الله عليه وسلم حتى يؤدى رسالته: «وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً».
إذاً المقصود بوصف «هاد» فى الآية الكريمة هو الله تعالى، فهو سبحانه مصدر الهداية للبشر أجمعين، وهو مقلب القلوب، وهو الذى يثبتها على الإيمان.
ورغم وضوح المعانى التى قدمها القرآن الكريم لمفاهيم الهدى والهادى والمهتدين فإن فكرة «المهدى المنتظر» ما تفتأ تداعب خيالات المسلمين. فمن حين إلى آخر يظهر شخص يزعم أنه المهدى المنتظر.
تاريخ «الجبرتى» على سبيل المثال يحكى العديد من الوقائع الشبيهة التى ظهر فيها أشخاص متنوعو الهوية وأعلن كل منهم أنه المهدى المنتظر، ولا تزال هذه الوقائع متكررة حتى الآن.
واللافت أنك تجد موقع يوتيوب يتزاحم بالعديد من الفيديوهات التى يتحدث فيها البعض يومياً عن المهدى المنتظر وعلامات ظهوره ومن أين سيخرج؟ وماذا سيفعل؟ وغير ذلك من أحاديث تفتقر إلى الوجاهة الدينية، ناهيك عن الوجاهة العقلية.
لكن ذلك لا يمنع من «جماهيرية الفكرة». فموضوع المهدى المنتظر يشد الكثير من البسطاء الذين يحلمون بواقع أكثر عدلاً. وتكرار ظهور الفكرة مع اختلاف الأجيال يدلل على أنها فكرة راسخة إلى حد ما فى الوجدان الشعبى.
فبعض الناس لم يبرأوا بعد من الحلم القديم المتجدد بإصلاح الواقع الفاسد، وثمة آخرون يحلمون بظهور بطل مخلص يستطيع أن يداوى آلامهم ويضمد جراحاتهم.
لا تفهم الشعوب أنها تعيش وهماً كبيراً حين تحلم بفرد يحل لها مشكلاتها، وتشرد عن مكمن قوتها الحقيقية حين تتآزر كمجموع من أجل تجديد واقعها.