بروفايل| «عامر» موت المارشال
أيام لم يُغلق باب فى المنزل الذى احتلته أقدام رجال المخابرات، أيام لم يخفت اكتئاب القائد العسكرى المحددة إقامته، شاخ قلبه سريعاً بعد هزيمة فى ساحة المعركة لم تكن الأخيرة بين سلسلة هزائم توالت على رأس صعيدى «ناشف». إهانات تلقّاها القائد العسكرى المهزوم داخل منزله فى الجيزة لأيام قبل رحيله، حتى أعلن قائد الجيش الجديد البديل أن عبدالحكيم عامر، المارشال الخاسر، «تناول سُماً».. شحنوه فى سيارة إلى المستشفى العسكرى وغاب عن أنظار أطفاله حبساء المنزل. «إننى واثق من أن هناك مؤامرة تدبر ضدى» آخر ما دوّنه «عامر».
عبدالحكيم عامر، قائد عسكرى راحل، ولد فى 11 ديسمبر 1919، وأحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، وأصغر من تولى قيادة القوات المسلحة ووزارة الدفاع ورئاسة الأركان فى 1956 (عن عمر 37 سنة). وظهر الجيش تحت قيادته ضعيف الأداء فى التصدى للعدوان الثلاثى 1956، وتكبد خسارة فى 1967 أمام إسرائيل.
«فلما بدا لى إننا داخلين على خطر حرب أهلية وخطر انقسام كان لا بد لى أن آخد قرار» جملة أخيرة طوى بها الرئيس المصرى الراحل ملف الهزيمة الثقيلة التى انتهت بالزج بعشرات الضباط القادة إلى المعتقل تمهيداً لمحاكمتهم وتحديد إقامة المشير عبدالحكيم عامر الذى زفر روحه فى 14 سبتمبر 1967.
ثلاثة أشهر وخمسة أيام، هى جملة المدة المحصورة بين إعلان الهزيمة فى يونيو حتى موت المشير فى سبتمبر. شهدت تصاعداً درامياً فى الأحداث.. قادة الجيش المقربون من المشير «عامر» يحتمون بداره فى الجيزة، ليأبى المشير الاستغناء أو التخلى عنهم، مما يثير حنق المقربين من «عبدالناصر»، الذى يعلن فى خطابه متأسفاً للشعب معتذراً: «مستعد لتحمل المسئولية كاملة»، فيرفض المشير خطاب الرئيس مطالباً بمحاكمة علنية له ولرجال الصف الأول من الجيش حتى لا يتنصل «عبدالناصر» من المسئولية بأدائه المؤثر. انقسام بين قادة الحرب والسياسة، يكاد يحدث شرخاً عظيماً فى نظام مكلوم بهزيمة. قسم مع قائد أعلى للقوات المسلحة هو «عبدالناصر» له شعبية غامرة فى الشارع، وقسم مع نائب القائد الأعلى (عامر) الذى تعاظم نفوذه قبل هزيمة يونيو.
«فض اعتصام منزل المشير فى الجيزة» قيل إنه الهدف القريب الذى سعى إليه «عبدالناصر» باستدعاء «عامر» لمنزله الرئاسى فى منشية البكرى ليتم اعتقال الضباط المحتمين بمنزل المشير بواسطة قوة عسكرية يقودها قائد الجيش الجديد الفريق محمد فوزى شخصياً. «وإذا كانت هذه الوصية قد كتبت على عجل فذلك لأننى أخشى ما هو مدبر لى. فقد فقدت الثقة فى صديقى وأخى جمال ولم أعد أحس بالأمن من جانبه».. احتفظ «ناصر» بثباته فى منزله أثناء محاولته إقناع المشير بقبول منصب جديد كنائب له فى الرئاسة وترك الجيش.. فلما رفض حُددت إقامته ليُعثر على جثته صباح 14 سبتمبر وتنشر الصحف عناوين حمراء عن «انتحار المشير».