أنت أب لأسرة مكونة من عدة أفراد.. حالتك المالية متواضعة.. كانت الأسرة تعيش فى حدود تلبية المطالب الأساسية.. دخلت راضياً شريحة الطبقة المتوسطة، التى تمثل السواد الأعظم فى مصر.. غير أن تحولات الزمن جارت عليكم، وتقلص دخلك الشهرى لفترة طارئة.. وتحولات الزمن لا تختار الأوقات التى نريدها.. لذا تزامن انخفاض الدخل مع زيادة وعى الأبناء، واتساع أعينهم على الدنيا والحياة.. ماذا تفعل كى تحافظ على استقرار الأسرة، وتنقذها من الانهيار؟!
يقولون فى علوم إدارة البشر إن أخطر ما يواجه أى كيان هو تحول العلاقة بين القيادة والناس إلى صراع ومواجهة، بدلاً من المصارحة والحوار.. فأنت لن تحمى أبناءك وأسرتك من الضياع إذا أغلقت على نفسك باب الغرفة، وتكتمت على أزمتك، دون أن تصارحهم بالتحول الجديد فى حياتك وحياتهم.. سيظل الأبناء يطالبونك بالمزيد.. وسيظنون أنك تبخل عليهم بما أعطاك الله عز وجل.. وكلما رفعوا أصواتهم بالشكوى، إما واجهتهم بالعنف أو تجاهلتهم تماماً، وكأن شيئاً لا يحدث!
مصر.. العيلة الكبيرة.. فى أزمة شديدة التشابه مع أزمة حضرتك.. كانت قبل الثورة تعيش فى الحد الأدنى من الحياة.. كان راعيها يسرقها كل صباح، ومع ذلك كنا نصمت ونكتفى بالدعاء عليه.. وحين فاض الكيل انفجر البركان.. غير أن البركان أخذ معه الأخضر واليابس، وبات علينا أن نبدأ من جديد.. تحولات الزمن طالت الاقتصاد والمال والعباد.. ودخل العباد فى مواجهة وصراع مع السلطة: عايزين حقوقنا.. عايزين فلوس وأجور وكوادر.. منين؟!.. ليس هذا شأن الموظف الغلبان.. والمعلم المقهور.. والطبيب المهضوم.. وكلهم على حق.. فالحياة باتت أصعب وأمرَّ من الموت!
مصر.. العيلة الكبيرة.. فى خطر؛ لأن العلاقة بين السلطة والناس باتت صراعاً يومياً ومواجهة على مدار الساعة.. السلطة تعرف «البير وغطاه»، وتدرك أن خزائن الدولة لا تكفى الأجور والمرتبات والنفقات الحالية.. وهى على حق؛ لأن لا أحد بمقدوره محاسبة الرئيس الحالى وحكومته على الأوضاع الاقتصادية التى تشكلت قبل تسلمهم السلطة.. كما أن التحسن الاقتصادى، وفقاً للمتفق عليه عالمياً، بحاجة دائمة إلى وقت.. والناس تشكو وتصرخ من تردى الدخول وارتفاع الأسعار.. وهم على حق.. لأن لا أحد بإمكانه أن يطلب من رب أسرة أن يطعمها ويكسوها ويعلّمها بـ 700 جنيه شهرياً، بعد خدمة 16 سنة فى الحكومة.. ولا أحد أيضاً يمتلك جرأة أن يطلب من المعلم عدم إعطاء دروس خصوصية، بينما يتقاضى راتباً 300 جنيه شهرياً، ثم إن لا هذا ولا ذاك بمقدوره أن يقنع المواطن الغلبان بجدوى الاكتفاء بالمدرسة وعدم دفع فاتورة الدروس الخصوصية من لحمه ودمه.. إذن فما العمل..؟!
لأننى شديد الإيمان بالأسلوب العلمى فى التفكير.. ولأننى واقعى، وأنحاز دائماً لمواجهة الواقع، وليس الهروب منه.. أظن أن المخرج الحقيقى لمصر من مستنقع الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرق هو المصارحة والشفافية، وليس المواجهة والصراع.. لا بد أن يخرج رب العيلة الكبيرة ليضع أمام المواطنين كافة الحقائق والأوضاع بالأرقام الدقيقة.. لا بد أن يقول لنا إن المتاح هو كذا وكذا.. والمستحيل هو ذاك وتلك.. لا بد أن يفهم المواطن البسيط ما يدركه الخبراء والمسئولون..!
ربما يكون الخطاب المتوقع للدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، بعد مرور الـ100 يوم الأولى على تسلمه الرئاسة هو الفرصة المناسبة لمصارحة الناس بكل شىء.. فلن يضير الرئيس أن يقول للمواطنين إننا سوف نتمكن من تلبية المطالب «الفلانية» فى الوقت الراهن.. وإننا نتعهد بتحقيق المطالب الأخرى تدريجياً وفقاً لجدول زمنى يمتد للفترة «كذا.. وكذا».. وإننا بحاجة إلى العمل والإنتاج والاصطفاف وراء أهداف التقدم والتنمية لنتمكن من تحقيق هذه المطالب.. ولن يضيره أيضاً أن يشرح للجميع تصوراً محدداً لتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة الفئات فى فترة زمنية محددة.. فالصراحة هى أقصر الطرق للحل.. ودونها ستظل مصر مشتعلة.. وربما يضيع كل شىء فى حريق كبير لا قدر الله..!