إن كانت مصر تحتاج إلى رئيس من خارج دائرة الإسلام السياسى لإيجاد التوازن الضرورى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فهى أيضاً فى أمس احتياج لرئيس قادر على مواجهة تراث الاستبداد والفساد الطويل وعلى المساعدة فى وضع مجموعة من السياسات والإجراءات محل التنفيذ لتطهير وإصلاح أجهزة الدولة.
نحتاج لرئيس يمتلك إرادة إصلاح الأجهزة الأمنية، وهى الخطوة التى تأخرت كثيرا منذ ١١ فبراير ٢٠١١. كشأن غيرها من الدول التى حُكمت سلطويا ووُظف بها الأمن لقمع الحريات وتعقب المعارضين، لن تنفتح مصر على مستقبل تغيب عنه انتهاكات حقوق الإنسان ويحاسب عليها من يتجاوز ويقمع إلا بتغيير عقيدة الأجهزة الأمنية وقصر مهامها على تأمين الوطن والمواطنين وتنفيذ أحكام القانون. نحتاج لرئيس له إرادة حديدية وخطة محددة لتحقيق هذا الهدف وعلى نحو يتقبله المجتمع (فالحل الذى طبقه رئيس جورجيا ساكشفيلى بفصل العدد الأكبر من العاملين فى الأجهزة الأمنية غير ممكن فى مصر).
نحتاج لرئيس يريد تطهير أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية والمحلية من الفساد الذى تراكم لعقود، ومن ثقافة الخروج على القانون التى تحولت لآلية عمل يومى لا فكاك منها. ليس كافيا أن يتحدث بعض المرشحين للرئاسة عن تحديث الإدارة الحكومية وتطويرها، فالمهمة الكبرى هنا هى التطهير وإعادة التأسيس استنادا لقيم الشفافية ومكافحة الفساد والمساواة الكاملة بين المواطنات والمواطنين. وأظن أن هذا لن يتحقق إلا باعتماد اللامركزية نظاما لأجهزة الدولة وتمكين المواطن والمجتمع المدنى من مراقبة ممارساتها وأفعالها على نحو علنى ومنظم.
نحتاج لرئيس يقاوم نزوع بعض القوى والأحزاب السياسية لغزو أجهزة الدولة والسيطرة عليها، تماماً كما كانت تسيطر عليها نخبة حكم الرئيس السابق. فالسيطرة على الأجهزة والإخلال بشرط حيادية الدولة والخدمة العامة سياسيا هما دوما مقدمة للاستبداد والفساد. الموظفون العموميون، كما تشير لهم القوانين المصرية، لا ينبغى قبول تبعيتهم لقوى سياسية حتى وإن كانت منتخبة وحتى وإن كانت تمثل الأغلبية. سيكون على الرئيس القادم عبء ضمان حيادية الأجهزة وتمرير ذلك فى قانون سريع (كالقوانين البريطانية والألمانية على سبيل المثال) قبل أن تتجدد محاولات غزو الدولة من قبل البعض.
نحتاج لرئيس يواجه الاستبداد والفساد الذى أحدثته روابط الحكم السابق بقطاعات بعينها من نخب الأعمال والمستثمرين التى حولت اقتصاد السوق إلى اقتصاد المنتفعين والمحاسيب والأصدقاء. نحتاج لرئيس لا يعادى القطاع الخاص ولكن يرفض فساد الاحتكار، لرئيس لم يتورط فى الفساد والتربح من قبل، لرئيس يعلن عن عناصر ذمته المالية ما أن يؤدى اليمين الدستورية بشفافية، لرئيس يدرك أن الكثير من منتفعى العقود الماضية ظلموا الوطن والدولة وأضروا بالحق العام ولا بد من محاسبتهم بالقانون.
أتابع غداً.